كتبت لبنى عويضة في “سكوبات عالمية“:
بعيداً عن طوابير الذل التي أضحى الحديث عنها مُستهلَكاً، وباتت “روتين يومي لمختلف فئات المجتمع اللبناني؛ وفي الوقت الذي تخطى فيه سعر صرف الدولار الــ21.000 ليرة لبنانية. يُلاحظ أن أسعار السلع تأخذ طريقها للارتفاع الجنوني، في حين أن الرواتب صارت بلا قيمة تذكر، إذ بين وقود السيارة أو حتى اللجوء لخيار “التاكسي” كحل بديل للتنقل، وبين سعر قارورة الغاز الخيالي، ومتطلبات الحياة اليومية، فالراتب بالكاد يكفي 5 أيام ذلك في حال اتبع الفرد نظاماً حياتياً تقشفياً.
وبالاتجاه شمالاً، فلم يكن ينقص أبناء هذه المنطقة المهمشة إلا الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعجزون من خلالها على تحمّل الوضع المعيشي المعدوم حالياً.
فسابقاً كان أبناء الشمال يلجأون للعمل في العاصمة بيروت وضواحيها هرباً من الفقر والعوز، إلا أن ارتفاع تعرفة المواصلات اليوم يهدد عمل أولئك الفئة المنسية من قبل الدولة ومن جور السياسيين وتهميش على مدى سنوات طويلة، حتى العسكريين طالتهم هذه المعضلة وبالكاد بإمكانهم الوصول لمراكز خدمتهم بعد جهود مضنية، وبالتالي فإن الاستمرار بالعمل هو حالياً أزمة بحد ذاتها بالنسبة للشماليين العاملين في بيروت.
من جهة أخرى، لوحظ مؤخراً طمع التجار الذي لا يرحم فقير أوغني، إذ بدلاً من تكاتف وتكافل الجميع ضد طغيان واضطهاد السلطة وما تقوم به من استراتيجية تجويع وتفقير، ظهرت فئة أشد وطأة وطمعاً من وحوش السلطة، ألا وهم التجار. ومع تأرجح الدولار لعدة أشهر بين 15.000 18.000 ليرة لبنانية، بقيت البضائع على تسعيرة 24.000 ليرة، والحجة الدائمة “اشترينا عالغالي”، وطبعاً رقابة وزارة الاقتصاد راكدة في سبات عميق. حجج التجار لا حصر ولا نهاية لها، ودائماً جاهزة، والأوقح قولهم للمواطن “إذا مش عاجبك ما تشتري”، رغم كون السلع أساسية وليست كمالية.
لكن الصدمة الكبرى كانت عند ارتياد السوبرماركت في بيروت أو مناطق أخرى، ومقارنتها بأسعار مثيلاتها في مدينة الفقراء طرابلس، فهنا تكمن الكارثة في الأسعار شمالاً والتي تشهد فارقاً كبيراً عن أسعار السلع نفسها في المناطق الأخرى، ناهيك عن احتكار أصناف عديدة والتي من المؤكد أنها مخزنة لحين تضاعف سعرها.
إن الأزمة الآنية كشفت وجوه الطمع والاستغلال التي يكنّها المواطنين لبعضهم البعض، فلا إحساس بالإنسانية ولا شعور بالتضامن حتى بين أبناء الجلدة الواحدة، وطبعاً الدولة غائبة عن واقع المواطنين، لا بل إنها المحرّض الأول على تعزيز ظاهرة السوق السوداء، بسبب غيابها وتقصيرها وغياب الرقابة والقوانين الصارمة الحامية لحقوق المواطن، وصراحة القول، “لبنان غابة” بكل ما تحمل الكلمة من معنى، والتجار ما هم إلا وحوش مفترسة يستعرِّون على أكل أموال المواطن بكل ما أوتيوا من شراهة.
لذا ليس أمام أبناء طرابلس العاجزين عن التكاتف أو مقاطعة السلع التي يزداد سعرها بشكل غير منطقي، سوى مشاهدة جنى العمر يذهب لجيوب تجار يطمحون لكي يزداد ابن طرابلس جوعاً أكثر مما سبق، وتسكير أبواب الفرج أمامه، فممنوع عليك يا “طرابلسي” أن تعيش، ومفروض عليك أن تبقى فقيراً إلى أن تصحو على مصلحتك وتقلب الطاولة على رؤوس الجميع وتنتفض لمصلحتك.
المصدر: سكوبات عالمية – لبنى عويضة