بتاريخ الرابع من الشهر الجاري، قرّرت محكمة الإستئناف في بيروت ردّ الطلبات المقدّمة من ثلاثة وزراء سابقين، لكفّ يد المحقّق العدلي القاضي طارق بيطار، عن ملف انفجار مرفأ بيروت، فكان من الطبيعي عودة بيطار إلى استئناف الجلسات، والتي بدأت ملامحها من خلال مذكرات التوقيف الغيابية التي بدأت تصدر عنه.
واللافت أنه بعد قرار محكمة الإستئناف ردّ تلك الطلبات، صدر تعميمٌ داخل “حزب الله” يقضي بعدم تناول أي مسؤول في الحزب لهذا الملف، بانتظار كلمة الفصل التي سيُطلقها الأمين العام السيد حسن نصرالله، وليُحدّد على أساسها طريقة تعاطي الحزب مع هذا الملف من الآن وصاعداً.
لم يَطُل انتظار “حزب الله” وجمهوره كثيراً ليعلن نصرالله موقفه من مسار التحقيق، إذ أنه على بعد مسافة زمنية غير بعيدة من التعميم الداخلي للحزب، أعلن الأمين العام بأن “عمل القاضي الحالي استنسابي، وفيه استهداف سياسي ولا علاقة له بالعدالة”، متوجهاً إلى أهالي ضحايا انفجار المرفأ، قائلاّ: “لن تصلوا إلى العدالة مع القاضي البيطار الذي يشتغل بالسياسة ويوظّف الدماء في خدمة استهدافات سياسية”.
بهذا الكلام، يكون نصرالله قد رسم خارطة المواجهة المُقبلة مع بيطار، تحت عنوان “استهداف الشيعة”، خصوصاً وأن حليفه الشيعي حركة “أمل”، ستكون معه في الخندق الواحد بعد مذكرة التوقيف الغيابية التي صدرت بحق المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، مع ما يُشكّله هذا الإسم أو هذه الشخصيّة، سواء بالنسبة لبري ولحركة “أمل” وجمهورها بشكل خاص.
من هنا، تُشير مصادر سياسية محسوبة على خط قوى “14 آذار”، إلى أن “كلام نصرالله حول مسار التحقيق القضائي مُخيف جداً، ويضع عناوين عريضة لطريقة مواجهته للقضاء، والتي لا نتمنّى بأن تكون تكملة للتهديد الذي أطلقه القيادي الأمني في الحزب وفيق صفا ضد القاضي بيطار.”
وبحسب المصادر نفسها، فإن “حزب الله” سوف يسعى من الآن وصاعداً إلى تحويل ملف التحقيق من قضية رأي عام وحقّ واستعادة بناء الثقة بين اللبنانيين والقضاء، إلى مسألة مذهبية باعتبار أن بيئة “المقاومة”، وتحديداً الطائفة الشيعية، مُستهدفة أميركياً وإسرائيلياً، كما جرى التعاطي مع ملف اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وتتابع المصادر، نعرف تماماً أن الحزب يلجأ عادة إلى “المتراس” المذهبي، ليصدّ عن نفسه الإتهامات التي تطاله. وهذا الأمر أصبح بمثابة طريق يسلكه في كل مرّة يشعر بها باقتراب الخطر منه.”
في المقابل، يؤكد عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” الوزير السابق محمد فنيش، بأن “التعاطي الأميركي واضح في ملف التحقيقات التي يُجريها القاضي بيطار بانفجار المرفأ، ومحاولة توظيف هذه الكارثة لأسبابٍ لم تعد خافية على أحد، وهذا ما ظهر أيضاً من خلال تدخّل “الكونغرس” الأميركي لدعم قاضٍ خرج عن الأصول القانونية والدستورية، وذلك ضمن مسار وتوجّه محدّد معروف الهدف، وهو التأثير على الرأي العام قبل الوصول إلى استحقاق الإنتخابات النيابية.”
وتابع فنيش: “منذ السابع عشر من تشرين والأميركي لا يُوفّر أي طريقة أو استغلال أي ملف داخلي أو خارجي سواء بالمباشر أو من خلال جوقته الداخلية، للتأثير على الرأي العام اللبناني بشكل عام، للحدّ من التأييد الشعبي الذي تحظى به “المقاومة”، والذي يُترجم بدوره داخل صناديق الإقتراع سواء في الإنتخابات البلدية أو النيابية. وإحدى وجوه هذا الإستغلال، الضغط على حلفاء وأفرقاء سياسيين لاتخاذ مواقف ضد حزب الله سواء في السياسة أو القضاء.”
هل لديكم مآخذ على بعض حلفائكم لجهة المواقف التي يتّخذونها في ملف التحقيق بانفجار المرفأ؟ يُجيب فنيش: “بغضّ النظر، نحن في حزب الله لدينا قناعة تامة بأن ما نقوم به، ينطلق أساساً من مصلحة البلاد والمصلحة العامة. ولهذا تتركّز الإتهامات ضدنا، والتي لاحظناها بمسألة التخزين والفساد والتهريب، وكلّها اتهامات تصب في خانة الإفتراءات. لذلك، نحن لا ننتظر أي موقف من الحلفاء خصوصاً في هذا الملف حيث تظهر بشكل واضح حجم التدخلات الأميركية