يستعطي لبنان عطف النظام السوري عليه لتخفيف عبء رسوم يفرضها على بضائعه العابرة من أراضيه إلى الدول العربية وتركيا، في حين أن عبور البضائع اللبنانية ترانزيت عبر الأراضي السورية هي حق للبنان بمنطق العلاقات الطبيعية بين الدول. فلا منّة لنظام يفرض على البضائع اللبنانية العابرة أضعاف ما يفرض لبنان على البضائع السورية وغيرها من تلك العابرة أراضيه، فمنذ العام 2018 مع استئناف النظام فتح معابره البرية مع دول الجوار السوري، باشر بفرض رسوم باهظة على البضائع اللبنانية تصل إلى 5000 دولار للشحنات العابرة إلى العراق على سبيل المثال، ضاربة عرض الحائط حق المجاورة وحق التعامل بالمثل. ومنذ ذلك الحين لا الدولة اللبنانية فلحت بحماية حق منتجيها ومصدريها والمستهلكين، ولا النظام السوري ارتدع عن ممارسة تسلطه على البضائع اللبنانية، وبطشه بحق العبور من بلد شبه محاصر إلى دول الجوار العربي.
اليوم وبعد شح الدولارات في لبنان، بات العمل على توفير دولارات التصدير حاجة ماسة، ما دفع برئيس الحكومة اللبناينة نجيب ميقاتي إلى السعي بحكومته للتواصل والتشاور مع النظام السوري، بهدف التوصل إلى اتفاق لخفض رسوم الترانزيت على الصادرات اللبنانية، التي لا معبر بري أمامها سوى سوريا. فالرسوم السورية على البضائع اللبنانية العابرة أراضيها تزيد 5 أضعاف ما كانت عليه قبل العام 2018. وبرفعها بهذا الشكل باتت كمن يمارس حصاراً غير معلن على الصادرات اللبنانية إلى المحيط العربي وحتى الأوروبي (عبر سوريا فتركيا).
حصار البضائع اللبنانية
وفي حين تفرض السلطات السورية رسوماً على شحنات البضائع اللبنانية العابرة أراضيها وتبلغ آلاف الدولارات، تعفي الدولة اللبنانية البضائع الواردة إلى سوريا عبر المرافئ اللبنانية من أي رسوم. وكذلك تفعل غالبية دول العالم، فلا رسوم على عبور الترانزيت باستثناء بعض التكاليف الطفيفة. وحدها سوريا تفرض على البضائع اللبنانية الرسوم الباهظة ولا تعاملها بالمثل، ما يدفع إلى التماس حصار حقيقي.
ففي العام 2018 رفعت الدولة السورية رسوم الترانزيت، أي رسوم مرور الشاحنات عبر معابرها الحدودية البرية، بنحو 5 أضعاف، من 2 في المئة إلى 10 في المئة. ويتم احتسابها على الشكل التالي: وزن الآلية بالطن ضرب (x) المسافة الجغرافية المقطوعة بالكيلومتر ضرب (x) 10 في المئة، وتُحتسب بالدولار الأميركي. وقد جرى رفع الرسم من ضربه بـ2 في المئة إلى ضربه بـ10 في المئة.
واللافت أن قرار رفع رسوم العبور لم يشمل العبور البحري بل اقتصر على العبور البري فقط. بمعنى أن البضائع العابرة من المرافئ السورية إلى الأردن والعراق وغيرها من الدول وبالعكس لم تُرفع رسومها. فقط البضائع العابرة من البر إلى البر رُفعت رسومها. وأي بضائع تمر عبر الأراضي السورية براً سوى العابرة من وإلى لبنان؟
تكلفة العبور إلى العراق
قبل رفع الدولة السورية رسوم العبور ترانزيت كانت البضائع اللبنانية تعتمد النقل البري توفيراً للتكلفة الباهظة التي يفرضها الشحن البحري. أما اليوم فبات الشحن البحري أجدى من النقل البري، بالنظر إلى ارتفاع تكاليف العبور بالأراضي السورية، خصوصاً بعد ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي أمام العملة اللبنانية إلى مستويات قياسية.
ويوضح عضو مجلس إدارة ورئيس اللجنة الاقتصادية في غرفة تجارة زحلة والبقاع، طوني طعمة، في حديث إلى “المدن”، حجم المعاناة التي تلحق بالمزارعين والمصدرين والصعوبات التي تواجههم في خط التصدير العربي عبر سوريا إلى الدول العربية منذ سنوات وحتى اليوم، أولاً جراء إغلاق المعابر بين الحين والآخر، ومؤخراً بسبب أزمة رسوم العبور المفروضة من الدولة السورية على الشحنات العابرة أراضيها والتي تفاقمت في الفترة الأخيرة.
رسوم العبور ترانزيت عبر سوريا تقارب ضعفي إيجار الشاحنة المبردة، يقول طعمة. فالشاحنة المبردة أو العادية العابرة من لبنان الى الأردن تعبر 175 كيلومتراً في الأراضي السورية. وهذه المسافة تُحسب على الشاحنة ضمن تكلفة الرسوم بالإضافة إلى وزنها. فالشاحنة مسموح لها تحميل نحو 44 طناً من البضائع مع وزنها الفارغ تُضرب (x) بـ175 كيلومتراً ثم تُضرب (x) بـ10.8 في المئة (=) وهكذا تحدد تكلفة عبور الشاحنة بنحو 800 دولار أما طريق العودة من الأردن فتبلغ تكلفته 350 دولاراً.
أما عبور البضائع من لبنان إلى العراق فرسوم العبور تفرض في الأراضي السورية فقط عبر معبر البوكمال بين سوريا والعراق، ومن المعروف أن معبر البوكمال يبعد عن الحدود اللبنانية نحو 950 كيلومتراً وبذلك تقارب تكلفة عبور الشاحنة اللبنانية أكثر من 4500 دولار، في حين أن رسم إيجار الشاحنة يبلغ نحو 2000 دولار. لذلك، لا مصلحة لأحد أن يصدر من لبنان الى العراق براً، حسب طعمة، وبات توجه المصدرين اللبنانيين أكثر الى الشحن البحري الأكثر توفيراً من النقل البري.
المعاملة بالمثل
في الوقت الذي تتكلّف فيه البضائع اللبنانية مبالغ كبيرة لتأمين عبورها سوريا إلى الأردن أو العراق، تدخل الشاحنات السورية لبنان لتحميل البضائع المستوردة عبر مرفأ طرابلس أو مرفأ بيروت ونقلها إلى الداخل السوري، من دون أن تتكلف أي رسوم عبور بالأراضي اللبنانية، بل تدفع -حسب طعمة- فقط رسم التحميل، وهو يقارب 250 دولاراً، يتم دفعها وفق سعر الصرف الرسمي اي نحو 375000 ليرة لبنانية فقط.
تسعى الدولة اللبنانية اليوم إلى الدخول في وساطة مع الدولة السورية لخفض رسوم عبور الترانزيت على البضائع اللبنانية. وحسب مصدر في وزارة الاشغال، التي كّلف وزيرها من قبل الحكومة اللبنانية بالتواصل مع الجمهورية السورية بهدف حل مسألة الترانزيت، فإنه من غير الوارد ان تقوم السلطات اللبنانية بفرض التعامل بالمثل مع البضائع السورية، أي بفرض رسوم عبور ترانزيت عليها. فالسلطات السورية تفرض رسوم عبور على البضائع اللبنانية منذ سنوات على الرغم من إعفاء البضائع السورية من الرسوم في لبنان، من دون أن تلتفت إلى عدم التكافؤ في المعاملة بين البلدين. ويقول المصدر في حديث إلى “المدن” إن طلب خفض رسوم العبور من السلطات السورية يجب أن يكون جدياً. فلا منّة لأحد على المصدّر اللبناني. وكل المطلوب ان يتم التعامل معه على غرار باقي المصدّرين، أو فليتم التعامل معهم بالمثل
المصدر: المدن – عزة الحاج حسن