يقولون “العتمة الشاملة مقبلة لا محالة”، ثم يستطردون” الحلول المؤقتة وجدت والعتمة تم ترحيلها الى نهاية الشهر الحالي او بداية الشهر المقبل” مع امكانية تجديد الحلول وترقيع الأمور بما يتوافق مع صمت اللبناني اللامتناهي.
لكن على ما يبدو فقد فاتهم قول المتنبي الشهير “أنا الغريق فما خوفي من البلل”، فالمواطن ، بات غريق همومه ومشاكله واحتياجاته اليومية بشكل كلي، لا بل صار أسيرها وكبّاته من كل حدب وصوب.
وفي سجنه القسري هذا، يتلقى المواطن الصدمات والضربات دون اي قدرة على ردعها او التخلص منها، فكيف يبدو واقعه اليوم وما هي العناصر التي تساعده على الصمود ولو لفترة لن تدوم طويلا؟
7 ملايين و500 الف قد لا تكفي الاحتياجات الضرورية
في هذا المجال يؤكد الخبير الاقتصادي بلال علامة لـ “لبنان24″، ان” ما يعاني منه المواطن اللبناني اليوم يمكن تصنيفه في خانة الركود التضخمي، وهو مصطلح اقتصادي يشير الى اتساع الهوة بشكل رهيب بين عنصري الانتاج والسيولة.
وبالتالي نحن في حالة تضخم جانح يرافقها حركة ركود شديدة، ما يؤدي بشكل تلقائي الى قمع النمو بشكل كبير وازدياد السيولة بالعملة اللبنانية والتناقص في وتيرة الانتاج.
اي بمعنى مباشر يمكن القول ان المواطن اللبناني لسبب او آخر يحصل في هذه الفترة على مجموع من الاموال بالليرة اللبنانية من مصادر مختلفة، دون ان تكون ناتجة عن عمل يقوم به.
أمام هذا الواقع لابد من التأكيد ان الحد الادنى المعتمد اليوم (750 الف ليرة لبنانية) لا يتناسب مع ما يواجهه المواطن ،ففي حالة الركود التضخمي الهائل، هناك عدم توازن كلي بين ألنفقات والواردات وبالتالي مهما بلغ الرقم المالي الذي يستحصل عليه الفرد شهريا، سيبقى غير قادر على تأمين متطلباته، اذ ان السوق تحوّلت الى نار حارقة للأموال في ظل غياب شبه تام لمختلف انواع الرقابة.
لذلك يتمحور السؤال حول الحاجيات الأساسية فقط، والتي ان احتسبنا قيمتها بالنسبة لعائلة متوسطة مؤلفة من 4 اشخاص نجدها تتطلب مدخولا لا يقل عن 7 ملاين و500 ألف ليرة.
ونحن لا نتحدث هنا عن حد ادنى للاجور عادل، اذ ان نظامنا الاقتصادي الحرّ والمدولر، يتطلب نوعا من اشراك للموظف والعامل في الارباح انطلاقا من باب الانتاجية والتميّز.
ولا بد من الاشارة الى ان اي تعديل ممكن للأجور سيحصل في القطاع الخاص حصرا الذي سبق وأطلق عجلة التصحيح، أما واقع القطاع العام فيشير الى شبه استحالة لاجراء اي تعديل او تصحيح للأجور”.
فتشوا عن حاجات المواطن
وعن امكانية طرح حلول في الفترة الحالية، يؤكد علامة ان “اي معالجة ستبقى منقوصة ان لم ندخل في مفهوم الحِزم الاجتماعية والدعم الاجتماعي المباشر للمواطن.
فما يحتاجه المواطن اليوم هو ان يلمس بيده مجموعة خطوات تجيب على الاحتياجات المتكاثرة التي يعاني منها، اذ انه يتطلع الى استجابات سريعة لقضايا حياتية يعيش على تماس يومي معها.
فالمواطن وعلى سبيل المثال يحتاج الى ان يتسلم المواد الغذائية المدعومة بحال استمرار وجودها من تعاونيات موثوقة كتعاونية الجيش، كما يتطلع الى تأمين شبكة نقل آمنة وسريعة تقيه من الارتفاع الخطير الذي تشهده أسعار المحروقات، بالاضافة طبعا الى تعزيز دور المدرسة الرسمية وحل مشاكلها وتقديمها كشبكة خلاص للقطاع التربوي الذي سيكون مصيره الهلاك على شاكلة قطاعات حيوية أخرى ان استمرت الامور على ما هي عليه”.
وعن البطاقة التمويلية التي من المتوقع ان تبصر النور قريبا، يرى علامة انها “عبارة عن ضخ مزيد من السيولة مقابل الركود الدائم في الانتاج، وبالتالي ستؤدي البطاقة الى تعميق المشكلة بدلا من حلها، مع العلم انها ستظهر بداية الامر كنوع من “التنفيسة” التي قد تريح المواطن اللبناني لفترة وجيزة جدا.
هل بات التفلت التام قدراً محتملاً؟
وعن تسيير الأمور واستطاعة المواطن تأمين متطلباته اليومية، يؤكد علامة ان “نسبة المواطنين القادرين على الحصول على احتياجاتهم لم تعد كبيرة، لا بل تدنت بشكل ملحوظ.
والمواطن المستمر في تأمين مستلزماته حتى اليوم، فهو يعتبر من المحظوظين الذين تردهم المداخيل من احدى الجهات الأربعة التالية:
اولا اموال المغتربين، أي المساعدات التي تصل الى الأهالي عن طريق ذويهم، وهنا لا بد من التأكيد ان نسبة هذه التحويلات بدأت تتراجع نظرا لفقدان الثقة التامة بالمصارف واطلاق شركات تحويل الاموال مجموعة شروط تشكل عائقا امام التحاويل، فضلا عن الواقع الاقتصادي المتردي في مختلف دول العالم والذي سببته جائحة كورونا.
المصدر الثاني هي التدفقات المالية من خلال المنظمات غير الحكومية، وفي هذا المجال لا بد من البحث في المسار الذي تسلكه هذه الاموال اذ ان نسبة لا يستهان بها تحوّل الى موجودات وشقق، وهذا ما يطرح علامات الاستفهام حول اداء هذه المنظمات دون حجب اهمية دورها في سداد جزء من عوز المواطن.
اما المصدر الثالث للمداخيل فهي مدخرات المواطن في المصارف، والتي يستلمها في الفترة الحالية وفقا لتعميمي مصرف لبنان، اي على سعر الـ 3و900 او وفقا لنظام الـ 400 دولار.
والمصدر الرابع هو بيع الممتلكات والاصول، وهي حركة يقوم بها اللبناني للحفاظ على قدرته على الصمود، وبالتالي تجد عروض البيع تبدا من الأراضي والشقق والسيارات ولا تنتهي عند ادوات ومستلزمات المطبخ.
لكن، لا بد من التنبه ان هذه العناصر بدأت تدخل نفق الشح والانتهاء، اي بمعنى سيأتي يوم ويجد المواطن نفسه دون اي مردود يذكر وعندها فقط ستقع الكارثة الكبيرة، فهل ستسبقها الاصلاحات المطلوبة ام ان الارتطام والتفلت التام باتا قدرا لا يمكن الهروب منه؟سؤال مشروع في انتظار ان تؤتي ورشة العمل الحكومية التي بدأت مع تشكيل حكومة الرئيس ميقاتي ثمارها المرجوة ويتم انجاز خطة النهوض الاقتصادي ووضعها موضع التنفيذ .