تتكاثر المؤشرات التي تشكّل مسلسلاً لا بد من مشاهدة فصوله المتعلقة بمسيرة إحراق حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وحتى الآن لم تشهد جلسات الحكومة أي مواجهة للتحقق مما إذا كان أحد أطرافها قد حصل فعلاً على الثلث المعطل. وذلك بسبب تجنب الغوص – حتى الآن – في الاستحقاقات الفعلية، لئلا تنفجر الحكومة باكراً.
ميقاتي: لازم تشوف جبران
وهذا ما يسعى ميقاتي إلى تجنّبه دائماً باستمراره في تدوير الزوايا مع كل من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس التيار العوني جبران باسيل. لكن تدوير الزوايا هذا سيكون مكلفاً إلى حدّ بعيد، نظراً إلى البرنامج الذي يسعى باسيل إلى تحقيقه من خلال الحكومة، لا سيما على صعيد التعيينات.
وتتلقى حكومة ميقاتي ضربات متتالية: من إرتفاع سعر صرف الدولار، إلى عدم البحث الجديّ في خطة الكهرباء حتّى الآن. فتوقف معامل إنتاج الكهرباء عن العمل ليس مؤشراً بسيطاً بعد تشكيل الحكومة، التي كان يراهن عليها لتجاوز مثل هذه المحن. إنما هو ضربة قاسمة، ولو من الناحية المعنوية.
والضربة الأكبر التي تلقتها الحكومة هي ما كشفه وزير الداخلية بسام مولوي عن طلب رئيس الجمهورية منه زيارة جبران باسيل قبل توزيره. ولفت مولوي إلى أنه عندما فاتح ميقاتي بالأمر قال له: “لازم تروح تشوف جبران”. وهذا الكلام له وقعه السلبي إلى حدّ بعيد في البيئة السنية والطرابلسية، وبين رؤساء الحكومة السابقين. وهم بدأوا بانتقاد المسار الذي ينتهجه ميقاتي.
اتفاقات سرية؟
وفي المقابل يظهر عون وباسيل في حال ارتياح كبير. وهذا ربما ينطوي على اتفاقيات سرية حصلت سابقاً، والتزم بها ميقاتي ليتمكن من تشكيل حكومته. وهنا يدقق رئيس حكومة سابق في معلومات وصلت إليه، وتتحدث عن أن المفاوضات بين ميقاتي وباسيل كانت قد بدأت منذ أشهر، وتحديداً في أوائل سنة 2021، أي عندما كان سعد الحريري لا يزال مكلفاً بتشكيل الحكومة. وتشير هذه المعلومات إلى أن ميقاتي اعتمد منذ ذلك الوقت مصطفى الصلح قنصل لبنان في موناكو، مفاوضاً مع باسيل.
وقد عقد أكثر من لقاء بين باسيل ووزير الداخلية المولوي، وذلك للبحث في ملفات متعددة، وخصوصاً تعيينات القائمقامين. ومعروف أن غالبيتهم بالتكليف، فيما يسعى باسيل إلى تعيين أصيلين في مواقعهم بدلاً منهم. وهذا إضافة إلى البحث في بعض التعيينات والتشكيلات العسكرية.
جيش باسيل الديبلوماسي
ونجح ميقاتي حتى الآن في تجاوز انفجار الحكومة بسبب الخلاف على خطة الكهرباء. وهو ينسج على هذا المنوال ليتجنب ملفات أخرى، فيعمل على تسويات حول تعيينات متعددة، أهمها التعيينات القضائية وفي مجلس القضاء الأعلى، والتعيينات الديبلوماسية.
وتشير المعطيات إلى أن التعيينات الديبلوماسية أصبحت شبه ناضجة: تعيين مدير مكتب باسيل السابق هادي هاشم سفيراً للبنان في دمشق، وغدي خوري سفيراً في الفاتيكان، مقابل نقل السفير فريد الخازن إلى بودابست، وميرا ضاهر إلى اليونان، وعلي المولى إلى رومانيا، وفرح بري إلى لندن، وكنج الحجل إلى إيطاليا. أما مدير عام وزارة الخارجية هاني شميطلي، فيعين سفيراً في المغرب. بينما يستمر البحث عن تعيين سفير للبنان في واشنطن، خلفاً للسفير غابي عيسى، وبدلاً من السفير رامي عدوان في باريس.
تأجيل التطبيع مع دمشق
وكلام ميقاتي من بكركي والذي قال فيه: “العين بصيرة واليد قصيرة”، يتناقض مع موقفه من القصر الجمهوري بعيد تكليفه، حين قال إنه يعرف ما جاء يفعل وقد تم تكليفه على هذا الأساس، وأن لديه ضمانات إقليمية ودولية. وهذا يشكل نقطة ضعف قوية تنال من ميقاتي واندفاعة حكومته.
وفيما كانت المساعي والضغوط مكثفة لتطبيع العلاقة مع سوريا ولتشكيل وفد رسمي من الحكومة لزيارة دمشق، تفيد المعلومات أن إشارات خارجية متعددة تلقاها لبنان وميقاتي بالتحديد، تنصح بضرورة التريث وعدم الاستعجال والرهان على المسار الأردني، لأن الأردن يخفف من حركته في اتجاه دمشق.