لا يختلف إثنان من اللبنانيين على أن الإنتخابات النيابية المقبلة أكثر من ضرورة. من هنا يأتي حرص الجميع على أن تٌجرى في موعدها المحدد، أي بعد ستة أشهر وأيام عدّة.
هذه الإنتخابات ضرورية لأنها ستكون هذه المرّة بمثابة إستفتاء شعبي، وهي ستعكس حتمًا إرادة الناخب، خصوصًا أنها تأتي في ظرف مصيري، وبعد مشهد شعبي بتنا نراه يومّيًا، ويترجم حالًا من التململ لدى أغلبية الشعب اللبناني، معطوف على نقمة لم يسبق أن عُبّر عنها بهذه الطريقة الشمولية. فحال الغليان الشعبي لم يعد يقتصر التعبير عنها على منطقة دون أخرى، بل أصبحت حالًا شعبوية معمّمة من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب، ومن السهل إلى الساحل مرورًا بالجبل..
فإذا كان الناخب اللبناني على مستوى التحركات التي شهدناها طيلة السنتين الأخيرتين فإنه قادر على إحداث التغيير المطلوب. أمّا إذا أعاد ترتيب خياراته الإنتخابية وفق جدولات سياسية لا تزال راسخة في لاوعيه فإن النتائج لن تحمل الكثير من المفاجآت. وبذلك يكون هذا الناخب وحده مسؤولًا عن نتائج هذه الإنتخابات، خصوصًا أن الأحزاب التقليدية، وما لها من خبرة في تنظيم “ماكيناتها” الإنتخابية، بدأت تعدّ العدّة لخوض معارك، يُقال إنها ستكون طاحنة أو معارك “كسر عظم”. وسيكون عليها أن تخوض هذه المعارك على خطّين متوازيين، الأول ضد بعضها البعض، وثانيًا ضد لوائح الحراك المدني، الذي يبدو حتى هذه الساعة مشتّتًا في خياراته وتحالفاته. وهذا ما ستحاول الأحزاب التقليدية الإفادة منه إلى أقصى درجات الإفادة، وذلك بهدف إثبات حضورها على الساحة السياسية، من خلال إيصال مرشّحيها، الذين سيتمّ إختيارهم هذه المرّة من الفئات الشبابية.
أمّا في ما يتعلق بحق اللبناني غير المقيم في مشاركته في الإقتراع وفي تحديد معالم المرحلة المقبلة، سياسيًا وإجتماعيًا، فإن هذا الأمر، كما هو مدرج في القانون الساري المفعول، سيحتّم على المغتربين الإقبال على التصويت بكثافة ودينامية لإيصال من يرونهم الأفضل إلى الندوة البرلمانية.
وعليه، فإن حصر دور المغتربين بإختيار ستة مرشحين من القارات الست على اساس التوزيع الطائفي سيجعل من فعالية تأثيرهم محدودًا، مع ما يكتنف هذه العملية من غموض وإلتباسات عن كيفية الترشّح أولًا، وعن كيفية الإنتخاب ثانيًا وعلى أي أساس ستتم، مع العلم أن ثمة فوارق كبيرة في أعداد المنتشرين بين قارة وأخرى، فضلًا عن عدم القدرة على التمييز بين المرشحين بحسب طوائفهم وإنتماءاتهم الجغرافية حيث هم موجودون.
ولذلك يرى كثيرون أن هذه العملية هي مضيعة للوقت، فضلًا عمّا فيها من إنعكاسات سلبية بالنسبة إلى زجّ المغتربين في متاهات طائفية كان من المفترض أن يخرج منها لبنان منذ اليوم الأول لإقرار وثيقة الوفاق الوطني التي تنصّ صراحة على إلغاء الطائفية السياسية.
ولأن المغتربين هم شركاء أساسيون في الإنماء الإقتصادي والإجتماعي من خلال تحويلاتهم السنوية، التي تُقدّر وفق آخر إحصائيات بسبعة مليار دولار سنويًا، مما يساعد لبنان على الحفاظ على الحدّ الأدنى من توازنه المالي، فإنهم شركاء أساسيون في المشاركة في صنع السياسة الداخلية لوطنهم الأمّ، خصوصًا أن كثيرين منهم قد إستعادوا جنسيتهم اللبنانية، وهم يتحّركون للمشاركة في هذه الإنتخابات بكثافة وفعالية على عكس الإنتخابات الماضية.
هذا هو دور المغتربين اللبنانيين، وليس كما يحلو للبعض عندما إستغلوا الطاقات الإغترابية وجيرّوها لمصالحهم الخاصة ومعاملتهم على أساس أنهم “بقرة حلوب” يجب الإفادة منها قدر المستطاع.
ويبقى البحث قائمًا حول “الكوتا” النسائية” وحول السن القانونية للناخب.
المصدر : لبنان 24 – اندريه قصاص