إنتهى لقاء الإليزيه بين التلميذ “النجيب” و”بيو” الفرنسي، بحضور أقرب المقرّبين إلى الرجلين وكاتمي أسرارهما، ليبدأ صرير الأسنان و”حكّ الركاب”. فابن طرابلس الذي مهما “حار ودار” ، ستبقى حركته بلا بركة، طالما أن خادم الحرمين الشريفين لم يشرّع له أبواب مملكته، عاد على ما يبدو خالي الوفاض ومُحبطاً، مع تراجع باريس عن وعدها بمساعدة عاجلة فور التشكيل، وإصرارها على مسألة إيصال المساعدات مباشرة للشعب اللبناني.
فحفلة “تقية” “بيع السمك في البحر” التي مارسها الرجلان بدهاء، بدت واضحة ما بين أسطر “لتّ وعجن” التصاريح، التي في حقيقتها تعكس واقعاً مغايراً بالكامل للحقيقة، إذ يكفي التمعّن بمضمون “الكلمة الماكرونية” التي صيغت بعبارات واضحة ودقيقة عبّرت عن متغيرات أساسية كبرى، بيّنت العجز عن تأمين ما يضمن وقف الإنهيارات المتتالية في الكثير من القطاعات الهامة، بمجرد اتكاله على ” سلطة النيترات وميلشيات المحروقات” الحاكمة لإنجاز الإنقاذ، ولا “النجيب العجيب” قادر على الوفاء بأي من الإلتزامات التي قطعها لألف اعتبار واعتبار، أولّها اختلاف وجهات النظر حول الحلول بين أطراف المحاصصة الحاكمة.
“فسبع الإيليزيه” الذي لم يمُن على “جلالته” بموعد، ليس قادراً بطبيعة الحال على فتح الخزنة لتتسرّب الملايين إلى لبنان، وإن دعا ل”سيدر 2″ بعدما “أعطاكم سيدر 1 عمره” وذهبت مقرّراته مع الريح، كما هو عاجز عن إقناع الأميركي بالتساهل وحتى جيرانه الأوروبيين، فيما “الطرابلسي” غارقٌ في رمال وعوده المتحركة ومستنقع إعادة وصل ما انقطع مع “الإخوان العرب”، جانياً على نفسه وعلى اللبنانيين.
فرئيس الحكومة الذي لم يحمل معه أية خطة أو رؤية إقتصادية إنقاذية واضحة ومفصّلة، مكتفياً بالعموميات وإغداق الوعود غير القابلة للصرف، يرفض بحسب المعنيين السير بعدّة سلفه، وسط نظرية تقول بأن الحكومة الميقاتية المركبة وفق الحصص التقليدية، لا توحي بأنها قادرة على الإنجاز لعدة أسباب أبرزها :
-عجزها عن تغيير طاقم الدولة الإداري والمالي والتقني لإنجاز الإصلاحات المطلوبة، إذ أن موازين القوى نفسها التي عطّلت الحلول السابقة وعرقلتها، لا زالت حاكمة اليوم، في “مجلس إدارة العزم” الذي لا يرتقي الى درجة “حكومة المهمة” التي “طبل راسنا “بها الفرنسيون.
-الصراع القائم حول ملف الطاقة ، حيث يبدو أن الستاتيكو السابق لا زال على حاله وعقدة الهيئة الناظمة لن تكون قابلة لأي حل، ومن هنا كانت سلفة ال 100 مليون دولار، والحبل على الجرار، بعد انكشاف الصفقات والسمسرات في الفيول العراقي.
-تركيبة الوفد المفاوض مع صندوق النقد، في ظلّ شروط “حزب الله”، تزامناً مع استدعاء رئاسة الجمهورية ل”لازارد” ما يوحي بأننا عدنا إلى المربع الأول، خصوصاً أن كل المؤشرات تدلّ على أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، “لن يتزحزح من مكانه” وبالتالي تضارب الأرقام باق.
يؤيّد كل ذلك، أن الوضع الداخلي اللبناني، وفي حال سلّمنا جدلاً بحسن نوايا رئيس الحكومة، لا يبشّر بالخير وفقاً لمسار الأحداث منذ نيل الحكومة الثقة. سياسياً جميع الأطراف على سلاحها مع عودة الإشتباكات إلى الجبهات، ومعيشياً مع استمرار تذبذب بورصات الدولار والطاقة والكهرباء، ليُضاف إلى كل ذلك موجة أحداث أمنية غير مفهومة حتى الساعة ألغازها، حيث يحاول “راجح” ربطها بخيط رفيع بتفجير المرفأ، وما أدراكم بملفه وتداعياته.
في موازاة ذلك، واقعٌ فرنسي إقليمي و دولي ليس بحال أفضل، في ظلّ الضربات المتتالية التي تلقتها باريس وحولّت “سكرتها ” اللبنانية إلى كابوس، ما يجعلها حكماً غير قادرة على التأثير بأصحاب القرارات الكبرى في واشنطن، ولا “ببيت المال الخليجي” في الرياض، وحتى داخل بيتها الأوروبي بعد الإنقسامات الأخيرة التي شهدتها جلسة البرلمان الأوروبي والإصطفافات الحادة التي ظهّرها الملف اللبناني.
أضف إلى كل ذلك فريق العمل الحكومي المتجانس فعلياً، بوزرائه الغريبي الأطوار ، باستثناء قلّة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، الذين لم يكن ينقصهم سوى “تخبيصات” سلفائهم في أيامهم الأخيرة ليغرقوا في شبر ماء وزاراتهم، ليصحّ فيهم “المكتوب لكم يُقرأ من عنوانكم”، إنفجار الحكومة من الداخل وتشدّد واضح من الخارج.
عليه ،”تي تي متل ما رحتي متل ما جيتي” … “إيد لقدّام وإيد لورا “… مفكّر “يشيل الزير من البير”…. خلاصة واحدة من تلك الزيارة ستبقى في متحف القصر الرئاسي الفرنسي، إبريق ماء مصنوع من بقايا زجاج دمّره انفجار مرفأ بيروت، ليبقى شاهداً على ما اقترفت أيدي رئيسٍ فرنسي، من جريمة ذات يوم، بحقّ شعب أراد يوماً أن يثور ليغيّر واقعه قبل أن يقع في خديعة “ماكرونية”، لن يرحم مواطنو بلاده صاحبها قبل إخراجه من قصره … وال ٢٠٢٢ لناظره قريبة…. كما دعوات اللبنانيين الثائرين مع الشاطر حسن.