لا يشعر تيار “المستقبل” بالإنزعاج الكبير من دخول حزب الله الى عكار بقدر ما انزعج من الترحيب الذي لاقاه الحزب في تلك المنطقة، وهو أمر ينبغي أن يُطلق جهاز الإنذار في صفوف “المستقبل” الذي ينشغل مؤخراً في التحضير لخوض الإنتخابات النيابية التي ستكون مصيرية للغاية في تاريخ هذا التيار السياسي.
عندما ألمح أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله إلى نيّة الحزب التواصل مع أهالي ضحايا انفجار التليل في عكار، لم يكن يتخيل تيار “المستقبل” أن يقوم الحزب بزيارة بيوت أهالي الضحايا والجرحى لدفع المال لهم، بظلّ الترحيب الكبير من قبل أهالي الضحايا والجرحى، والكلام المعسول والشكر الموصول للحزب قيادة وأفراداً، وذلك إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أن “الحاجة” كسرت حواجز عديدة في المجتمع اللبناني كانت حتى فترة قصيرة تمنع تواجد حزب الله في المنطقة المذكورة.
إن الوضع الإقتصادي الصعب وغياب القدرات المالية لدى اللبنانيين يسمح لحزب الله، وغيره ممن يملكون القدرة، ولكن بالتحديد الحزب، بالتمدد في كل المناطق في لبنان، في الساحات السنية والمسيحية على وجه الخصوص، فهو الأكثر قدرة وتنظيماً على مواجهة التحديات التي تجعل المواطنين محتاجين الى مساعدته، تماما كما يجري اليوم بظل أزمة المحروقات وقرب وصول المازوت الإيراني الى لبنان، ومن هنا دخل حزب الله عكار على وقع عبارات الترحيب لا التنديد، سوى من بعض قياديي “المستقبل” الذين حاولوا استدراك ما يجري.
إن هذه الحادثة يجب أن تحظى بكثير من المتابعة داخل تيار “المستقبل”، خاصة أننا على أبواب انتخابات نيابية تحتاج الى مقوّمات كثيرة لا يملكها “المستقبل”، الذي أصبح خارج السلطة من جهة، ومن جهة أخرى خسر الدعم العربي السعودي تحديداً بعد أن كان يمدّه بالعون طيلة الفترات الماضية، دون أن يتم استبدال الدعم السعودي بدعم آخر، رغم ما يُقال عن تدخل تركي أو إماراتي أو مصري، وبالتالي فإن التيار الذي يُعرف على أنه “تيار الخدمات” لا التيار العقائدي، سيواجه مشاكل جمّة في خوض المعركة الإنتخابية المقبلة، لأن أسلحته للمواجهة ليست جاهزة وعليه تبديلها في مهمة قد لا تكون سهلة على الإطلاق، لأنّ دخول حزب الله الى معاقله هو أصعب بكثير من دخول شخصيات سنّية منافسة له وتمتلك المال اللازم لخوض الإنتخابات، وعلى رأسها شقيقه بهاء الحريري.
كل الساحات اللبنانية مفتوحة اليوم أمام من يرغب ومن يقدر على تقديم الخدمات، ولعلّ الساحة السنية هي أبرز تلك الساحات كونها لا تحبّذ الإنتماءات السياسية العقائدية، وهذا ربما يسهل مهمّة “المقتدرين” من أهل السنة الراغبين بمنافسة تيار “المستقبل” في الإنتخابات، مع العلم أن التيار يعتبر الاستحقاق الإنتخابي المقبل هو الأدقّ بتاريخه كونه يعوّل على نتائجه لتثبيت موقعه كممثل سياسي للسنّة في لبنان، الامر الذي لن يكون سهلا بظل الواقع القائم.