كتبت لبنى عويضة في “سكوبات عالمية“:
طرابلس ليست “قندهار”، هذا المصطلح لطالما لازم أهالي هذه المدينة المعدومة منذ زمن طويل، وهم يسعون عبثاً لإظهار طرابلس بأبهى حلّة، على أن تكون مدينة العلم والعلماء الآمنة.
إلا أن ما يحدث مؤخراً ما هو سوى استراتيجية ممنهجة لتصحير طرابلس من مؤسساتها ومرافقها الحيوية، وجرى هذا الأمر عبر إحراق المصارف والسرايا والبلدية والمحكمة الشرعية، أما مؤخراً دُفع بأصحاب محطات الوقود للتسكير جراء الاشكالات اليومية، وبالتالي أصبح الغوغائيون والموتورون يسيطرون على شوارع المدينة آناء الليل وأثناء النهار حتى، ممارسين بذلك انتهاكات تطال أبناء المنطقة السلميين.
هذه الانتهاكات تتباين بين قطع الطرقات على الطرابلسيين دون جدوى، كذلك تكثر عمليات التشليح والتشبيح وإطلاق النار بطرق عشوائية، هذا ما جعل التجوّل أثناء الليل صعباً أو حتى مستحيلاً بالنسبة لأبناء المنطقة، ويرافقه الالتزام بأخذ أكبر قدر ممكن من الحيطة والحذر، والولوج من المنزل للضرورة القسوة.
لا يخفى أن هذه الحالة الهستيرية التي ترعب أبناء طرابلس يقوم بها شبان تظهر عليهم آثار تعاطي الحبوب المخدرة، إضافة إلى انتماءاتهم الحزبية والسياسية، ومن هنا تبدأ الدعاية الانتخابية بأقل كلفة ممكنة، ومع إحكام قبضة “الزعران” على المنطقة.
وما يزيد من تفاقم الامور ويزرع الخوف الشديد داخل نفوس الطرابلسيين، هو العتمة التي تحكم المدينة، والتي باتت متشحة بالسواد ليلاً بسبب التقنين الكهربائي القاسي بشدة، يرافقه إطفاء المولدات الخاصة حيث كانت ملجأ المواطنين، كما أن أزمة المازوت المتصاعدة أرخت بثقلها على حركة السكان حتى خلال النهار، وأضحت التنقلات قليلة بشكل ملحوظ.
إذن، ما إن يسدل الليل ستائره حتى تنطلق المدينة من أيدي أهلها إلى أيدي “خفافيش الليل” والمجموعات المنظمة للسرقات، وتمارس مختلف أشكال تصفيات الحسابات والانتقام والعبث بأمن المدينة.
لعل تحليلات عدة وصلت لنتيجة مفادها أن الزعامات السياسية في طرابلس فقدت جمهورها ودورها نهاراً، اذا لجأت لنشر الغوغائيين وقطاعي الطرق من أجل بسط سيطرتها على المدينة ليلاً، خاصة بعدما أخذ الوعي يتعزز داخل عقول الطرابلسيين ويتساءلون: “ماذا قدّم الزعماء لهذه المدينة اليتيمة غير الفقر والجوع والذل والتجريد من الكرامة؟
وفي ظل غياب الاجهزة الأمنية التي أصبح يحكمها التشرذم والتشتت بسبب مسؤولياتها التي تتراكم من الحفاظ على الأمن أمام محطات الوقود إلى الاشكالات التي تنشب في مختلف المناطق اللبنانية، وتقلّص عديدها بعد حالات الفرار التي انهكتها مؤخراً، قام رئيس بلدية طرابلس “رياض يمق” بمناشدة القوى الأمنية بفرض حظر تجول ليلي في طرابلس مشابه لما كان يفرض أثناء التعبئة العامة للحد من انتشار كورونا، حيث أن البلدية ليس بمستطاعها أن تحافظ على أمن المدينة بأكملها، وهذه تعد مسؤولية القوى الأمنية، لكن هل يكون هذا هو الحل؟
يتساءل الطرابلسيون يومياً سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر جلساتهم عن الحل الذي من شأنه تخليص طرابلس مما آلت إليه الظروف ومن قبضة “الزعران”، فليس هذا ما تستحقه هذه المدينة المحبّة، ولكن لا حياة لمن تنادي.