مع إقتراب حاملة المازوت الإيرانية من الشواطئ اللبنانية، تبتعد المسافة الفاصلة بين فردان وبعبدا، ومعها ولادة الحكومة الموعودة، مع انقضاء الشهر الأول من عمر التكليف الثالث دون تشكيل، واستمرار الوجوه مكفهرّة، ما لا يوحي بإيجابيات قريبة على ما يعمّم البعض، خلافاً لمضمون البيانات الرئاسية المتكررة على الخطين، حول حجم التعاون، رغم أنهما لم يتفقا على مدى دزينة من اللقاءات حول أي صيغة للتركيبة الحكومية التي تتبدل حقائبها بين كل لقاءين أو ثلاثة قبل أن تدخل على الخط مطالب شخصيات وأطراف أخرى تنسف ما سبق واتفقا عليه .
فالمتابعون لملف الزيارات الميقاتية المملّة إلى بعبدا، والسيناريوهات الممجوجة التي تواكب أي لقاء قبل حصوله وبعده، ما عادت تلفت إهتمام لا الداخل ولا الخارج، في ظل مسلسل الأزمات وتناسلها من قطاع إلى آخر، وموجات التفاؤل أمام ما يتمّ تناقله من أخبار ومعلومات سلبية تدحض الحديث عن الوصول إلى نهايات سعيدة، مع دخول شياطين التفاصيل على الخط، “إذ كلما اقتربت عملية التشكيل من الإنجاز، هناك من يعيدها إلى المربّع الاول”، وفقاً لمصادر مواكبة لعملية التأليف، وكأن هذه الجماعة غير مدركة أو مهتمة بخطورة الأوضاع التي تشهدها البلاد والظروف الحياتية المذلة والكارثية التي يواجهها اللبنانيون.
هكذا تستمر المماحكات والنّكد السياسي، الذي حكم التكليفين الأولين، واضعين البلاد تحت رحمة الوقت المهدور عن سابق إصرار وتصميم، إلّا إذا حصلت معجزة ما، أخرجت الملف من عنق الزجاجة، وفرضت على المؤلفين، مقاربةً واقعية لحكومة تُحاكي حاجة البلاد الملحّة، لوقف النزف التمادي. فنجيب يرفض الرضوخ لطلبات العهد بتصفية “الحريرية الإدارية والامنية” تحت أي ظرف من الظروف، وكذلك “قطش راس” حاكم المركزي رياض سلامة، هذا في القطب المخفية. ليزاد إلى طين ذلك بلة وزارة الخارجية والمرشح لتوليها السفير السابق عبد الله بو حبيب، الذي كان في زيارة إلى واشنطن. فهل قنبلة بو حبيب مرتبطة بتلك الزيارة، بعدما لمس عدم حماسة لدى الأصحاب في بلاد العم سام؟ ومن من الرئيسين أخذ بصدره معركة “قصر بسترس”؟
في كل الأحوال، حكومة المستشارين والسياسيين المقنّعين من الدرجة الثانية والثالثة، التقنيين في الظاهر والمحسوبين على هذا وذاك في الباطن، تلك لن تولد، إذ بات واضحاً أن المعايير التي اصطدم بها الشيخ سعد لا تزال هي نفسها، وإن ارتفع منسوب العوامل الضاغطة سلباً، وأهمها:
– التطورات المتسارعة على خط استجرار الطاقة الأميركي واستقدام المحروقات الإيرانية، أثّرت بقوة على مسار عملية تأليف الحكومة، حيث يروي العالمون ببواطن الأمور أن خطاب “سيد المقاومة” العاشورائي، قلب الأمور رأساً على عقب، مع تضارب المواقف بين رئيس الجمهورية،”غير الرافض” للبواخر الإيرانية، كردّ على الحصار الأميركي والغربي والعربي لعهده، والرئيس المكلّف المتهيّب للموقف نتيجة انعكاس ذلك على برنامج المساعدات الدولية الموعود به، طالما أن لبنان قرر الإصطفاف في المحور الإيراني.
– بطء وتيرة الإتصالات، كي لا نقول أنها تعطّلت في شكل تام، وقد باتت تحصل بالواسطة، للشكل فقط، للإيحاء للناس أن الجهود لا تزال جارية للتأليف.
– تصاريح أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله النارية، وهجماته المركزة ضدّ الأميركيين، واعتماده سياسة التحدي، والأهم تعامله من منطلق “مش شايف الدولة ولا مؤسساتها” على قاعدة “تعمل يللي بيطلع بإيدها إذا قادرة تخربط مشاريع حزبه ومحوره.”
– رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى اللبنانيين التي نعى خلالها عملياً الدولة ومؤسساتها الدستورية والإدارية والتنفيذية “حيث بتنا في حارة كل مين إيدو إلو وكل واحد فاتح دكان عا حسابه.”
– وتبقى عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت التي ستساعد في تحديد وجهة السير، اعتذاراً أم تأليفاً.
عند هذه المعطيات والملاحظات، يتكشّف أمام الجميع أن شيئاً لم يتبدّل في المناقشات لا شكلاً ولا مضموناً، وربما حتى في الأهداف المبطّنة والعلنية والدوران حول العقد عينها، منذ ما يقارب السنة، ما يعني أن ثمة حزباً للمقاومة، بفروعه “غبّ الطلب”، يريد هذه المراوحة أياً كانت كلفتها، طالما أن أولى مهام الحكومة الموعودة وأهدافها، إعادة تركيب الدولة ومؤسساتها.
في الخلاصة، لا سعي حتى لمحاولة تبييض صفحة المنظومة السوداء غير الآبهة بتهديدات الشارع، الذي انتهى زمن تحركاته السلمية الروتينية ويتوجه نحو تحركات “كسر عظم ورؤوس”، في بلد تحللت فيه الدولة لمصلحة الدويلة وكل مستقوٍ بسلاح غير شرعي … “فليفهم يللي بدو يفهم” كما قال نجيب العجيب ذات يوم مكشراً عن أنيابه، ولكن بالتأكيد المهلة “مش إلى ما شاء الله”، كما يقول الشعب هذه المرة، وبالأميركاني كمان، لمن لم يفهمها باللبناني… فلننتظر ونر، فالخيار “الميقاتيّ” لن يتأخّر في الظهور، وفقاً لتقييم الشاطر حسن.