ليس العيش في لبنان سهلاً، وقد أصبح شبه مستحيل مع الأزمات التي تمطر علينا منذ حوالى العامين. ولكي تعيش في لبنان، رغم كلّ المصائب، لا بدّ من أن تكون فدائيًّا ومناضلاً، ولكن تنبّه، هناك ثمن لذلك، ونحن ندفعه من دون أن ندري.
نحن اللبنانيون لم نعد نحارب الفساد والطائفية والمنظومة الحاكمة، إنّما انتقلنا إلى مرحلة محاربة الموت الذي سيطرق أبوابنا باكراً، بسبب ما نعيشه من توتّر وعصبية مترافقة مع الغلاء وفقدان مقوّمات الحياة. فهل تتخيّلون أنّنا سنفقد أحباء لنا قسراً، وسنصبح برسم الموت المبكر؟! هذه هي الحقيقة، وهذا ما سيُصيبنا…
متوسط أعمار اللبنانيين سينخفض وسنشهد أشخاصاً يموتون باكراً، تؤكّد طبيبة الصحّة العامة كارين فغالي في حديثٍ لموقع mtv، شارحة: “عاملٌ أساسيّ لا بدّ من الإشارة إليه، لما له من تأثير مباشر على حياتنا وصحّتنا، هو الـstress” الذي أصبح جزءاً من حياتنا اليوميّة”.
فهل تتخيّلون أن نموت من التوتّر والضغط النفسي؟ نعم، تخيّلوا! قد نموت من التوتّر في طابور البنزين مثلاً، أو بسبب أموالنا المحجوزة في المصارف، أو لتلف أعصابنا ونحن نبحث عن دواء، أو، أو، أو… فوفق فغالي، “التوتّر يؤثّر على معدل ضربات القلب حتى لمن لا يُعانون من أمراض، ممّا قد يؤدي إلى الموت المفاجئ. كذلك ارتفاع ضغط الدم يؤدي إلى نزيف في الرأس”.
وتلفت الأخيرة إلى أنّه “في السابق كان بعض الأشخاص يموتون باكراً بسبب عدم الوعي على ضرورة زيارة الطبيب، أمّا اليوم فالوعي موجود ولكن يفقد المواطنون القدرة على زيارته، فأسعار الفحوصات مرتفعة يُضاف إليها مشاكل الضمان الاجتماعي والتأمين. غلاء المعيشة أدى بالمواطنين إلى التفكير مرّتين في زيارة الطبيب، وبالتالي التأخّر في هذه الزيارات وإهمال إجراء الوقاية الأولية والفحوصات الدوريّة، ما سيؤدي إلى حدوث مشاكل صحيّة كان يمكن تفاديها”.
وتُعطي فغالي مثلاً على ذلك، فتقول: “لا عوارض للكوليسترول ولا يمكن تحديد الإصابة به من دون فحوصات، وفي حال عدم إجرائها بسبب الأوضاع المعيشية، قد يؤدي ذلك إلى حدوث ذبحة قلبية لدى المريض”. كذلك “المرضى الذين يحتاجون إلى آلات تنفّس، قد يضطرون إلى مصارعة الموت بسبب انقطاع الكهرباء عن منازلهم”.
أزمة الدواء التي نعاني منها أيضاً، لها تأثير مباشر على حياة اللبنانيين وأعمارهم. هنا تشير فغالي إلى أنّ “الأشخاص الذين يعانون من خطر حدوث جلطات مثلاً، سترتفع هذه المخاطر لديهم بسبب نفاد الأدوية أو عدم قدرتهم على شرائها بسبب ارتفاع أسعارها بعد رفع الدعم”.
وتضيف: “الكثير من الصور تحتاج إلى الإبرة الملوّنة التي تسعّر بالـFresh Dollars والتي نعاني من نقص حادّ في توفّرها، ما يجعلنا نقتصد في استخدامها ونحصره فقط بالحالات الضروريّة”. حتى المصل، تقول فغالي “نحتفظ به للأشخاص الذين تسوء حالتهم أكثر من غيرهم ممّن يمكن أن يعالجوا بحبّة دواء”.
ذلك كلّه ولم نتحدّث عن الحالات النفسيّة التي قد يعاني منها كثيرون، والتي تبدأ بحالة القلق وتنتقل إلى الاكتئاب ما يؤدي إلى زيادة حالات الانتحار.
إذاً، نحن لا نعيش، بل ننجو من الموت يوميًّا. أمّا عمرنا، فيُسرق.. والمعنى ليس مجازيًّا هنا!