لم تأتِ من فراغ تلك الحملة التي يقودها الجيش بشأن المحروقات، حيث يتم ضبط ومصادرة كميات من البنزين والمازوت جرى تخزينها في الكثير من المحطات والمستودعات.
وفي الواقع، فإن هذه الحملة جاءت بناء لقرارٍ اتخذ بتأييد كامل من الأجهزة الأمنية ككل وبغطاء سياسي مُطلق. أما توقيتها فيكتسب أهمية أيضاً لأنه يكشف عن أبعادٍ كثيرة.
وفي هذا السياق، تقول مصادر في قطاع النفط لـ”لبنان24″ أن “الحملة التي يقودها الجيش هدفها بالأساس إراحة السوق المحلي نسبيا، كما أنه يُراد منها إعادة إحياء ما تبقى من هيبة الدولة وتوجيه رسالة للمواطنين أن هناك سلطة يمكنها فعل شيء على الأرض”.
وبشكل أو بآخر، فإن توقيت هذه الحملة يرتبط بالدرجة الأولى بالمعطيات الواقعية التي تشير إلى أن لبنان وصل إلى حافة الانفجار الاجتماعي الخطير، كما أن غياب سلطة عسكرية وأمنية فاعلة يجعل لبنان أمام سيناريوهات أخطر من القائمة حالياً. ومع هذا، بات هناك استشعار لخطر انفلات الأمور أكثر ،في حين أن الضغوط على العسكريين اتسعت رقعتها بشكل أكبر. ولهذا، كان القرارُ وبضغط من الخارج، قد ركّز على أهمية حراك الجيش لضبط الأوضاع والبدء بفرض سيطرته على المرافق الحيوية التي تعتبرُ أساسية بالنسبة للمواطنين.
إلا أنه وسط ذلك، فقد كانت هناك أسئلة على هذه الحملة القائمة، خصوصاً أنه لم يجرِ الإعلان عن توقيف أي صاحب مستودعٍ من المستودعات الضخمة التي جرى ضبطها. أما الأمر الأهم، فهو أن كمية المضبوطات تخطت الـ5 مليون ليتر من المازوت، وهي كمية لا يُستهان بها أبداً، وهنا تُطرح تساؤلات عديدة: كيف حصلت الجهات المالكة للمخازن على تلك الكميات من المحروقات؟ من الذي سلّمها هذه المحروقات من خارج الجداول الموضوعة ضمن المنشآت العامة للنفط؟ من الذي أمرَ بتسليمها للتجار؟ من المستفيد الأول من وجود هذه المواد مع التجار؟ إلى أي جهة ينتمي هؤلاء؟ لماذا لم يتم الكشف عن أسماء أصحاب المخازن والمستودعات؟
وبغضّ النظر عن بعض الثغرات أثناء المداهمات، إلا أنه من دون الحصول على إجابات كافية من النيابة العامة ومن القوى الأمنية على تلك الأسئلة، فإنه لا يمكن التسليم أبداً بإمكانية ضبط السوق. وفي الواقع، فإنه طالما لم يتم توقيف جميع المسؤولين عن المخازن والمستودعات ومن يحميهم، فإن سحب المحروقات والاحتكار سيبقى قائماً، ومع غياب المحاسبة الفعلية ومع انعدام الرقابة المباشرة على منشآت النفط والشركات المستوردة، فإن الأمور ستبقى مفتوحة على مصرعيها.
رفع الدعم عن المحروقات.. هل ينفع؟
وفي ظل المشهد القائم، فإنّ الأمر الأخطر هو ما كشفت عنه مصادر في قطاع المحروقات لـ”لبنان24″، إذ أشارت إلى أن المخزون من البنزين بات متدهوراً في البلاد، وهناك حاجة لاستقدام بواخر جديدة لتلبية حاجة السوق المحلية.
وبحسب ما تقوله المصادر، فإنّ مخزون البنزين قد نفد لدى شركات نفطية هامة في لبنان مثل “كورال” و”وردية” و”توتال” وقد بتنا في مرحلة خطيرة جداً.
ومع هذا، فقد قالت مصادر أخرى في القطاع نفسه لـ”لبنان24″ أن “مصرف لبنان لن يتراجع بسهولة عن قراره برفع الدعم عن المحروقات، كما أن الحكومة لن ترضخ له”، وأضافت: “الكباش سيبقى مستمراً، ومن الضروري إيجاد صيغة مشتركة للحل كي لا يكون المواطن ضحية مرة أخرى”.
وأوضحت المصادر أن هناك حاجة لتحرك من وزير الطاقة ومصرف لبنان لإيجاد حل يرتبط بالاعتمادات، لأن الأمور تتجه نحو مرحلة سيئة جداً، وأضافت: “ماذا ينتظرون؟ هل يريدون انقطاع كل شيء؟ هل يريدون إعلان انهاء ما تبقى من الاقتصاد المتدهور أصلاً؟”.
إلى ذلك، أبلغت المصادر “لبنان24” أنّ “البحث يدور حالياً لابقاء الدعم على المازوت، في حين أنه هناك بحث حول إمكانية رفع الدعم عن البنزين”، لكنها أضافت: “ما من شيء محسوم حتى الساعة، والمفاوضات مستمرة للتوصل إلى حل”.
ورأت المصادر عينها أن “رفع الدعم عن المحروقات ينفع كثيراً، لأنه يساهم في توفير البنزين والمازوت بشكل عادي”، وأضافت: “من خلال رفع الدعم، فإننا سنوقف استنزاف الاحتياطي الالزمي في مصرف لبنان، ولكن لا يجب أن يحصل شيء طالما لا توجد هناك بطاقة تمويلية للمواطنين”.
وعملياً، فإن ما قالته المصادر عن النقطة المرتبطة برفع الدعم تتقاطع مع رأي الباحث في شركة “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين الذي قال لـ”لبنان24″ إنه “يؤيد رفع الدعم باعتبار أن ذلك يجنب أي هدر للاحتياطي من العملات الأجنبية في مصرف لبنان”.
وفنّد شمس الدين استهلاك لبنان للمحروقات سنوياً، إذ أشار إلى أنّ البلاد استوردت 11 مليون طناً من المحروقات (بكافة أنواعها) بقيمة 6 مليار و 900 مليون دولار في العام 2019. أما في العام 2020، فقد استورد لبنان نحو 7.4 مليون طن من المحروقات بقيم 3.4 مليار دولار. وفي العام 2021، من المتوقع أن تصل كمية المحروقات المستوردة إلى 11 مليون طناً بقيمة 8 إلى 9 مليار دولار، وذلك استناداً إلى أسعار النفط العالمية.
كذلك، أوضح شمس الدين أنه في العام 2019، استورد لبنان محروقات شهرياً بقيمة تتراوح بين 580 إلى 600 مليون دولار، في حين أنه في العام 2020، كان الاستيراد شهريباً بمعدّل 250 مليون دولار”.
ما هو الحل في حال رُفع الدعم المحروقات؟
ومن وجهة نظره، يرى شمس الدين أنّه على الدولة إصدار بطاقات خاصة بالمحروقات إلى جانب البطاقة التمويلية، والغرض منها هو منح كل مواطن نسبة معينة من صفيحة البنزين تبعاً لنوع آليته.
وعلى سبيل المثال، يمكن أن يتم منح كل سيارة بعد دفعها الرسوم الميكانيكية، بطاقات للمحروقات، تسمح للمواطن بالحصول على 4 صفائح من البنزين شهرياً على السعر المدعوم. ومع هذا، فإن هذا العدد قد يختلف مع أنواع السيارات، لا سيما أن المواطن الذي لديه سيارة دفع رباعي على سبيل المثال يحتاج إلى عدد أعلى من الصفائح المدعومة مقارنة مع المواطن الذي يمتلك سيارة صغيرة والذي يحتاج إلى عددٍ أقل من صفائح البنزين.كذلك، فإنه من المهم دراسة مدى استهلاك المواطن للسيارة، وعمّا إذا كان مكان عمله بعيداً ويستوجب عليه التنقل بآليته.
وعن هذا الأمر، يقول شمس الدين أن الأمر يحتاج إلى دراسة لكافة الأوضاع والجوانب، لكن منطق الأمور يقول إنه يجب إقرار بطاقة خاصة بالمحروقات. وفي حال تجاوز المواطن الحد المسموح به بالصفائح المدعومة، عندها سيتوجب عليه شراء صفيحة البنزين بالسعر غير المدعوم.
أما في ما خصّ صاحب المحطة، فإنه يمكنه تقاضي الفرق على سعر الصفيحة المدعومة من وزارة المالية وذلك بعد حصوله من المواطن على بطاقة خاصة بالصفيحة التي قام بتعبئتها.
وعملياً، فإن الدولة بذلك يمكنها تخفيف الدعم عن المحروقات عبر اعتماد هذه الآلية، ويمكن أن نكون على سبيل المثال قد دعمنا 40 مليون صفيحة من البنزين بدلاً من 120 مليون صفيحة.وهكذا، نكون قد قلصنا صرف الأموال على المحروقات وأوقفنا الدعم وأيضاً ساعدنا الناس.
لبنان 24