رغم كل التحذيرات التي أطلقها حاكم مصرف لبنان منذ آب الماضي ودعوته الى تأليف حكومة بأسرع وقت للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، استمرت الطبقة السياسية بمكابرتها رافعة سقف التهديد أو رافضة التنازل لحساب الوطن. تسعة أشهر من المناكفات بعد تكليف الرئيس سعد الحريري ولم نصل الى النهاية السعيدة، فجاء الاعتذار ليكون الضربة القاضية على ما تبقى من أموال الدعم.
لجأ المعنيون الى مصرف لبنان لضخ العملة الصعبة على محازبيهم ومناصريهم، لإدراكهم أن رفع الدعم يعني الانفجار الاجتماعي الحتمي بوجههم. شدّد هؤلاء على ضرورة الإسراع بإقرار البطاقة التمويلية لتكون جاهزة في أيلول وتوزع كرشوة انتخابية، كون اللوائح الصحيحة للعائلات التي تحتاج الى هذه البطاقة غير متوفرة وثمة تباين في الأرقام بين لوائح وزارة الشؤون الاجتماعية والوزارات الأخرى والمنظمات المعنية بها، فيما بقيت صعوبة التمويل حاضرة، وإن شرَّع المجلس الاستدانة من المصرف المركزي.
جاء قرار رفع الدعم ليستبق إقرار البطاقة ويضع المواطن أمام المصير الأسود، وسط تخبط كبير في كيفية التعامل مع هذا القرار والانقسام بين طبقة سياسية رافضة لقرار سلامة وبين شركات قررت التوقف عن تزويد المواطن بالمحروقات، لأن اعتماداتها ستصبح بحسب سعر السوق وهذا الامر سيرتب أعباء كبيرة عليها وسيرفع حكماً سعر صرف الدولار نتيجة زيادة الطلب عليه من قبل الشركات.
ولكن للتيار الوطني الحر شكوك بقرار رفع الدعم، فأوساطه تتهم الرئيس نبيه بري بالوقوف خلف هذه الخطوة لاعتبارات عد، وترى أن ذلك هو الرد الطبيعي لمقاطعة التيار لجلسة رفع الحصانات وتمسكه بتحقيقات القاضي طارق بيطار، إضافة الى أن لبري الكثير من المآخذ على الرئيس عون، لا سيما في عملية تأليف الحكومة مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي حيث يصوِّب عون بحسب حركة امل على بري ويقيّده. ولا تستبعد أوساط التيار إمكانية تأمين الثنائي، حزب الله وحركة أمل، المحروقات من ايران في الأيام القليلة المقبلة لاغراق مناطقهم بالمادة وتهدئة شعبهم، في مقابل تخبط المناطق الأخرى التي ستدفع اضعاف السعر الذي كان سائداً قبل أشهر، وسيتولد عن ذلك أزمة كبيرة في حال جاءت الصهاريج براً وتحت جنح الظلام عبر ممرات آمنة تكون منطقة القصير مركزها الرئيسي. ولا تخفي الأوساط قلقها من الأيام المقبلة مع تقدم المسار الحكومي والاتفاق شبه المنجز بين الرئيسين عون وميقاتي والتشويش عليه من قبل المتضررين الساعين الى تفجير الملف عبر ورقة الشارع.
وفي السياق، تحذر الأوساط من الورقة الأخيرة، وتذكر بكلام رئيس التيار جبران باسيل الذي دعا مناصريه الى النزول والاعتصام ضد حاكم مصرف لبنان، مشيرة الى أن الامر لن يتوقف على المصرف المركزي بل قد يطال رموزاً كبيرة في البلاد قررت مواجهة العهد والعمل على كسره، وهي تسعى بكل قوتها الى اسقاطه ولو كلف الامر اغراق البلاد بالدماء.
يراهن التيار على بصيرة حزب الله للجم كل التحركات التي تصوِّب على العهد والتيار الوطني الحر، ويعمل التيار، بحسب أوساطه، على تنظيم التباين مع الحزب حول الملفات المطروحة وأبرزها ملف تفجير المرفأ، على أن يتم تسهيل تأليف الحكومة الأسبوع المقبل وأن يُسحب صاعق الشارع قبل أن ينفجر بوجه المساعي التي يقوم بها الرئيس نجيب ميقاتي مع الرئيس ميشال عون، أما الخلاف مع الرئيس نبيه بري وخلفه الرئيس سعد الحريري، فلهذا الامر حسابات كثيرة قد تكون مفتوحة الى ما بعد بعد عهد الرئيس ميشال عون، تؤكد أوساط التيار.