خطفت “عملية” حزب الله الجنوبيّة وما أعقبها من “تسخين” للأجواء الحدوديّة، الأنظار عن عملية تأليف الحكومة، التي تراجع الاهتمام بها إعلاميًا، وغُيّبت تسريباتها خلال عطلة نهاية الأسبوع، لصالح فتح نقاش قديم-جديد يبدو أنّه سيبقى بلا أفق إلى حين، ألا وهو قرار “الحرب والسلم”، ومركزيّته في الدولة.
تُرجِم ذلك في كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في خطابه مساء السبت، في ذكرى “الانتصار” في حرب تموز، حيث ابتعد عن الملفّ الحكوميّ، ليركّز على أحداث الجنوب، متوعّدًا العدوّ الإسرائيلي بالردّ على أيّ غارة يشنّها بما يتناسب وحجمها، ومحذّرًا من تجاوز الخطوط الحمراء، وعدم الالتزام بقواعد الاشتباك المعمول بها.
وفيما “تعمّد” نصر الله “شرعنة” العملية التي نفذها الحزب، ردًا على غارات إسرائيلية تُعتبَر “الخرق” الأول من نوعه منذ العام 2006، إلا أنّه أقرّ بأنّ المقاومة لم تكن محلّ “إجماع” في الساحة السياسية تاريخيًا، لا قبل العام 2000 ولا بعده، بخلاف ما يروّج البعض، ممّن يروّجون لتراجع هائل في “الاحتضان” الشعبيّ للحزب تجلّى بعد الهجوم الأخير.
انقسام لبناني واضح
يضع البعض كلام نصر الله في إطار محاولة “لملمة” تداعيات حادثة شويّا، التي “أحرجت” حزب الله إلى حدّ بعيد، ولو جاهر بالعكس، لكنّ بعضًا آخر وجد فيها “استباقًا” للنقاش السياسيّ الذي بلغ “ذروته” مع عظة البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي كان واضحًا برفضه “تسخين” الأجواء، كما “مصادرة” قرار الحرب والسلم من قبل جهة واحدة.
لا يمكن اعتبار كلام البطريرك الراعي مفاجئًا، أو معزولاً عن البيئة السياسية المواكبة له، بمُعزَلٍ عن بعض ردود الفعل غير العفويّة ولا التلقائيّة، فهو عبّر في مكانٍ ما عن وجهة نظر شريحة واسعة من اللبنانيين، تضمّ في صفوفها مناهضين لـ”حزب الله”، ولكن أيضًا مؤيّدين تاريخيين لمبدأ المقاومة، ومؤمنين بأنّ الصراع معه هو وجوديّ وأزليّ، بل مصيريّ، وبأنّ الحرب معه آتية لا محالة، عاجلاً أم آجلاً.
ففيما يؤكد المؤيّدون لـ”حزب الله” والداعمون لعمليته الأخيرة أنّها جاءت ردًا على “تمادي” العدوّ بانتهاكاته، وفي محاولةٍ لردعه منعًا لتحويل لبنان “ساحة مستباحة” من جديد، لا يتردّد المعارضون في ربط هذا الهجوم بالصراع الإسرائيلي الإيراني المستفحل في المنطقة، لا سيّما بعدما تحوّلت أحداث الجنوب إلى “مادة” في “حرب التهديدات” المتواصلة بين المسؤولين الإسرائيليين والإيرانيين في الساعات الأخيرة.
هل انتهت القصّة هنا؟
وبموازاة النقاش السياسيّ، الذي يكرّس “انقسامًا” لم يعد بالإمكان القفز فوقه، ثمّة من يطرح أسئلة أخرى حول ما إذا كان “الاشتباك” الجنوبي قد انتهى في أرضه، أم أنه مرشَّح للتجدد في المرحلة المقبلة، علمًا أنّ البعض ذهب في التحليلات، وربما التكهّنات، لحدّ الاعتقاد بأنّ “الحرب” أصبحت أقرب من أيّ وقتٍ مضى، لا لاعتبارات إقليمية ودولية فحسب، ولكن أيضًا داخلية، ربطًا بالانهيار الشامل والسخط الكامل من الطبقة السياسية.
لكن، بعيدًا عن هذه التفسيرات، التي قد لا تحمل الكثير من المنطق والواقعيّة، يصرّ العارفون على أنّ قواعد “الاشتباك” لا تزال على حالها، فلا “حزب الله” يسعى إلى الحرب بالنظر إلى الظروف الراهنة، وإن كان جاهزًا لها بل ينتظرها لأنه سينتصر فيها، وفق ما أكّد أمينه العام، ولا إسرائيل تسعى إليها، وهي الواقعة في أزماتٍ داخليّة لا تنتهي، والتي تفضّل “التفرّج” على الانهيار، دون أن يكون لها يد فيه، بالتوازي مع حشد “الجبهات” ضدّ إيران دبلوماسيًا.
إلا أنّ هذه الثوابت “المبدئيّة” لا تعني أنّ خيار الحرب بات مُستبعَدًا بالمُطلَق، لأنّ أيّ خطأ في الحسابات يمكن أن يقود إليها، وهو ما “كاد” يحصل يوم الجمعة الماضي، وأدّى إلى “استنفار” سياسيّ ودبلوماسيّ واضحَين، كما أعاد فتح النقاش حول إشكاليّة “الحرب والسلم” في الداخل اللبنانيّ، علمًا أنّ مثل هذا النقاش يفترض أن يكون “حافزًا” للتسريع في تشكيل الحكومة، لأنّ الانقسام الحاصل قد يكون “نقطة الضعف” الجوهريّة في حال وقوع المحظور.
من حادثة شويا إلى عظة البطريرك الراعي وما بينهما من مواقف سياسية وشعبية، يقول البعض إنّ “حزب الله” فَقَد الكثير من “حاضنته” السياسية والشعبية، فيما يؤكد البعض الآخر أن “حسابات” أيّ معركة مختلفة، بعيدًا عن “تضخيم” بعض المواقف، لكنّ “الأولوية” يجب أن تبقى في مكان آخر: تأليف الحكومة أولاً وأخيرًا، لأنّها “مفتاح” خريطة الطريق إلى حسمّ كلّ الصراعات والأزمات…
لبنان 24