ينشغل عدّاد اللبنانيين في تعداد أرقام وتراتبية المصائب والأزمات المتنقلة في مختلف القطاعات الحيوية التي تؤثر مباشرة على طبيعة حياة المواطن.
فعدّاد كورونا عاد للارتفاع والانذار باقفال جديد قد يتم الاعلان عنه دون “هلع” هذه المرة مع انتهاء أيام الاصطياف وعودة المغتربين والسياح الى أراضيهم، فيمسي اللبناني المقيم وحيدا من جديد وأسيرا “للمفرد والمجوز” وغيرها من تدابير نأمل ان تمنع وصول الكارثة الصحية التي ستنام حتما هذه المرة على ابواب المستشفيات التي باتت شبه خالية من العلاج والمعالجين.
أما عدّاد الطوابير فمن المتوقع ان يستمر ويتفاقم ليأسر الناس ساعات وساعات وهم في طريقهم للبحث عما يؤمن استمراريتهم وقدرتهم على الصمود.
وهذا العدّاد سيبقى راسخا بشكل حتمي امام محطات تعبئة الوقود كما أمام الصيدليات والسوبرماركات ان استطاعت ان تؤمن في المستقبل القريب ما تحتاجه من سلع.
وعدّاد الكهرباء والمولدات الكهربائية، لا ينذر الا بساعات اضافية من التقنين يضيفها المواطن اللبناني على يومياته المترنحة وفقا لعدّاد الدولار، الذي قد يسير بوتيرة متصاعدة معلنا تفلت الأمور بشكل تام او قد يسير ببطئ نزولا، معلنا بداية تنظيم وادارة الأزمة وهذا ما نتمناه.
كما ان عدّاد التظاهرات والحركات الاعتراضية سيستمر ليرسم خريطة خاصة به، قد لا تتلاءم مع حجم الوجع والألم اللذين يختبرهما المواطن اللبناني، فالمراهن على انتفاضة عامة وشاملة في لبنان، لا بد له من ان ينظر ولو سريعا لتاريخ وجغرافية هذا البلد، الذين يحتمان عليه التغيير بأساليب وطرق لا تشبه الثورات الدموية التي عرفناها عبر التاريخ.
وبطبيعة الأحوال وأمام سياسة عدم الاكتراث التي ما زالت متبعة حتى اليوم، وفي ظل حكومة تصريف أعمال تمتنع عن تأدية واجبها الا بالشكل الضيق والضيق جدا، سيتقدم عدّاد الفقر، ليحوّل بيوت اللبنانيين معاجن فارغة وموائد مطفأة.
أما العدّاد الطارئ على اهتمامات اللبنانيين، فهو عدّاد انتظار انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، فالبعض يعتبر انه لا يمكن الحديث عن بداية للحلول الا بعد انتهاء الولاية الحالية،
لكن وبغض النظر عن مدى صوابية هذا الرأي، لاسيما انه بعد “الطائف” الذي وزّع الصلاحيات وشعبها بات الحديث عن عهود رئاسية غير ممكن، هل سيقدم الرئيس عون على انقاذ القسم الأخير من ولايته او عهده؟
باعتراف مختلف القوى السياسية ومنها التيار الوطني الحرّ، باتت أيام الفراغ حملا كبيرا على العهد ورئيسه، فبعد أحداث 17 تشرين التي ادت الى استقالة حكومة الرئيس الحريري الثانية خلال عهد عون، بدا الفراغ وعدم القدرة على الحكم واتخاذ القرارت عنوانا أساسيا لولاية الرئيس القوي، الذي انتظرته طويلا شريحة كبيرة من اللبنانيين، لاسيما المسيحيين منهم، الذين ظنوا ان قوة التمثيل الشعبي الذي يتمتع بها رئيسهم ستزيده صلابة فيحكم وينفذ ويطلق العنان للمشاريع والانجازات.
لكن عالم الواقع وحتى اللحظة بدا مغايرا للنظريات التي حيكت حول مفهوم الرئيس القوي، وذلك لأسباب عديدة، قد يكون أبرزها وأكثرها وضوحا هو الاعتذارات المتتالية عن تشكيل الحكومة والتي استنزفت ما لايقل عن 40% من عمر العهد ومن امكانيته على اطلاق الاصلاح والتغيير.
لذلك يبدو الرئيس عون في هذه المرحلة أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول متمثل في الاستمرار بالفراغ الحكومي والاعتماد على اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، التي اثبتت تجارب الأشهر الماضية، انها لا تؤتي بالنتائج المطلوبة لاسيما على صعيد تسيير أمور الناس، وبذلك قد يكون الاختيار وقع على انهاء العهد برفقة حكومة تصريف اعمال وبرفقة احتمالات مفتوحة على الفوضى وزيادة الانهيار وعلى مؤتمرات لا يمكن تحديد موازن القوى فيها منذ الآن.
أما الاحتمال الثاني، والذي يمكن اعتباره الأقرب من الرئيس عون، لاسيما انه ومع تكليف الرئيس نجيب ميقاتي قال علانية ودون مواربة “أريد انقاذ عهدي”.
وأنقاذ العهد، سيؤدي حتما الى بداية انقاذ لبنان واللبنانيين، الذين ملوا الانتظار والفراغ القاتل الذي يهددهم يوميا بأكلهم وشربهم وصحتهم.
وللحقيقة وبعيدا عن مبدأ التهويل والنظريات غير القابلة للحياة والتطبيق، تبدو امكانية ايقاف الأزمة في هذه المرحلة غير مستعصية وممكنة، فالقنبلتان المعيشيتان المتمثلتان برفع الدعم وتحرير سعر الصرف اللتان شكلتا عائقا امام تشكيل اي حكومة، لا يمكن الأخذ بهما بعد اليوم، فالدعم عمليا بات مرفوعا عن مختلف السلع والخدمات دون استثناء، وسعر الصرف بات محررا لدرجة انه قد يتبدل ويتغير على رأس كل ساعة.
وهذا، لا بد له من ان يترجم ليونة صريحة على صعيد توزيع الحقائب السيادية والخدماتية ووضعها في اياد الاختصاصيين الأمنين، الذين لا تقع على عاتقهم مهمة ايقاف الانحدار واجراء الانتخابات النيابية وحسب، انما وضع خطة اقتصادية شاملة تبدأ من اعادة هيكلة المصارف ولا تنتهي عند البحث عن عوامل الانتاج الممكنة في الدورة الاقتصادية اللبنانية.
ولكن وقبل الدخول في حلّ الأزمة على المدى البعيد وخلق البدائل، يبدو واضحا وفقا لمصادر مطلعة، انه يمكن للحكومة وان شكلت سريعا ان تقدم على مجموعة خطوات، تؤثر مباشرة وبشكل ايجابي على حياة المواطن اللبناني ومعيشته.
فالموازنة اللبنانية المؤلفة من خدمة الدين العام (10 مليار دولار بشقيه الدولار واللبناني) والانفاق العام اي الرواتب والاجور وملحقاتها ( 8 الى 9 مليار دولارأميركي ) والنفقات الاستثمارية (مليار ونص دولار أميركي)، وطبعا عند تحديد المبالغ بالدولار الأميركي نتحدث عما يعادلها في الليرة اللبنانية وفقا لسعر الصرف الرسمي (1515)، قد يشكل ارتفاع سعر الصرف عاملا ايجابيا لها، وبالتالي قد يؤدي الى تخفيف العجز فيها بشكل ملحوظ.
ومن هنا لا بد للحكومة الجديدة من العمل وبشكل سريع على توحيد سعر الصرف في السوق الموازية او أقله تحديد سعر صرف جديد يكون قريبا من سعر صرف الدولار الحقيقي، ما ينعكس ايجابا على رواتب الموظفين والعاملين في القطاعين العام والخاص، ويعيد نوعا من الاتزان الى الحياة الاقتصادية اللبنانية، دون ان يعني هذا الكلام ايقاف الأزمة بشكل تام.
فهذه الخطوات تبقى بدائية وهدفها اراحة المواطن بصورة جزئية تحضيرا لطرح خطة شاملة تبعد شبح الاذلال بشكل تام عن يوميات اللبناني.