لاتكتفي المرأة اللبنانية بشكل عام بمسؤوليات الأسرة، بل غالبًا ما تسعى لإثبات ذاتها في ميادين العمل. ليس الدافع المادي وحده وراء سعيها للعمل على أهميته، بل توظيف ما اكتسبته من علوم ومعارف خلال دراستها، خصوصًا أنّ الفتاة اللبنانية غالبًا ما تكمل تعليمها الجامعي أو المهني، وهناك عدد لا يستهان به من حاملي الشهادات في الدراسات العليا. قبل النكبة المالية وانهيار العملة الوطنية كانت المرأة اللبنانية العاملة تستعين بعاملات أجنبيات كمدبّرات منزل، لمساعدتها في القيام بأعمال المنزل وأعباء الأسرة. مع شحّ الدولار واحتجاز المصارف دولارات المودعين، باتت تكلفة استقدام عاملات أجنبيات باهضة جدًّا، فتمّ ترحيل أعداد كبيرة منهنّ، خصوصًا أنّ راتب العاملة المنزليّة بالدولار بات يعادل راتب المرأة اللبنانية، لا بل يتخطاه في معظم الأحيان.
هذا الواقع خلق إرباكًا، خصوصًا أنّ دوامات العمل طويلة، بحيث تقضي المرأة يوميًّا تسع ساعات وما فوق، في العمل خارج المنزل، إذا احتسبنا الوقت الذي يستغرقه الموظّفون على الطرقات التي غالبًا ما تشهد زحمةً مزمنة. في هذه الحال باتت مهمة المرأة في التوفيق بين الأسرة والعمل أكثر من صعبة، خصوصًا أنّ وظيفة أخرى أَضيفت إلى مهام الأم في زمن كورونا، وهي تدريس أولادها طيلة فترة قبل الظهر أو بعده حسب متطلبات التعليم عن بعد، وهو واقع فَرض على الأهل مواكبة أولادهم لاسيّما الصغار منهم. بالمقابل لا يسمح الوضع المادي لغالبية الأسر بتخلّي المرأة عن وظيفتها، والتفرّغ للأسرة في هذه الظروف العصيبة، بحيث أنّ مدخول الزوج والزوجة معًا بالكاد يكفي لشراء الحاجيات الأساسية.
إعلامية في مجال الأخبار تتحدث لـ “لبنان 24” عن قرارها التخلّي عن العاملة الأثيوبية منذ أشهر، تحت وطأة العبء المادي “علمًا أنّني كنت قد جدّدت عقد العمل حتّى نهاية السنة، ولكن قررت الإستغناء عنها بعدما وصل راتبها إلى 200$، بالمقابل راتبي بات يوازي حوالي 140$ وأقل مع ارتفاع سعر الصرف، فارتأيت أنّني أولى بالراتب لإنفاقه على ضرورات المنزل. بصرف النظر عن حاجة ربّة المنزل للمساعدة، إلّا أنّ الأسر التي تتقاضى رواتبها بالليرة، لم تعد قادرة على الإستعانة بعاملة تتقاضى أجرها بالدولار”.
نظرًا لحاجة المرأة العاملة إلى من يعاونها في أعمال المنزل الكثيرة، اقترحت الإعلامية قوننة العمالة اللبنانية عبر وزارة العمل، لكي تتمكّن سيدات أو آنسات لبنانيات من أن يعملن كمدبّرات منزل في إطار منظّم يحفظ حقوقهنّ، خصوصًا أنّ عددًا منهنّ بات يعمل بالفعل، ولكن من دون إي إطار قانوني. هناك جانب آخر يتمثل بتقاضي مدبرّة المنزل أجرها بالعملة اللبنانية، الأمر الذي يخفّف من التعامل بالدولار. يضاف إلى ذلك، العامل النفسي، من خلال تواصل مدبّرة المنزل اللبنانية مع أهلها ورؤيتهم، الأمر المتعذّر على العاملة الأجنبية، والذي يسبّب لها أعباءً نفسيّة ببعدها عن محيطها وبيئتها ومجتمعها”.
مدرّسة لديها ثلاثة أولاد، أحدهم حديث الولادة، اضطرت كما زميلاتها إلى الإستغناء على العاملة المنزلية الأجنبية للسبب المادي ذاته، تتحدث لموقعنا عن صعوبة في القيام بأعباء المنزل ومتطلبات الوظيفة في الوقت نفسه، لاسيّما خلال العام الدراسي، بحيث يتطلب التدريس ساعات من التحضير المنزلي بعد الدوام.
وعن إمكان الإستعانة بعاملة منزلية لساعات محدّدة، ووفق الحاجة تقول “يتقاضى هؤلاء أجرهم، بالدولار أو بالليرة وفق سعر الصرف في السوق الموازية، الساعة الواحدة لا تقل عن ثلاثين ألف ليرة بالحد الأدنى، وبالتالي الإستعانة بعاملة لثلاث ساعات يوميًّا يكلّفني حوالي تسعين ألف، أي أكثر من أجري ليوم واحد”.
هي معضلة تواجه المرأة اللبنانية بشكل عام، لاسيّما المرأة العاملة. قد يظنّ البعض أنّ الإستعانة بعاملة منزلية هو شكل من أشكال الوجاهة الاجتماعيّة، صحيح أنّ في ذلك بعض الواقعية، خصوصًا أنّ قسماً كبيراً من الأسر التي تضمّ أشخاصًا لا يعملون، استقدموا عاملات في الخدمة المنزلية، وكان ذلك شائعًا قبل الأزمة المالية، لكن التعميم هنا لا يعبّر عن الواقع، فالإستعانة بعاملة منزلية حاجة لآلاف النساء العاملات، والوضع الراهن قد يبدو مناسبًا لتصويب نظام الكفالة بعيوبه الكثيرة.
لبنان 24