كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: لا شيء يمكن أن يخفف من تداعيات إنفجار مرفأ بيروت الذي تحل اليوم ذكراه السنوية الأولى على وقع كمّ هائل من الأزمات تضاعف من حجم معاناة اللبنانيين وآلام عوائل الشهداء التي وُعدت بعد زلزال 4 آب بخمسة أيام فقط لتحديد المسؤوليات، فإذا بها تنتظر سنة كاملة سعى خلالها المسؤولون المعنيون الى تضييع الحقيقة وتمييعها، تارة بكف يد المحقق العدلي فادي صوان بحجة “الارتياب المشروع”، وتارة أخرى بعرقلة عمل المحقق العدلي طارق البيطار بفعل الحصانات النيابية والحمايات السياسية.
مهما إبتكر المسؤولون من عبارات التضامن والتعاطف والتأييد والشجب والاستنكار التي تزاحمت في بياناتهم وتصريحاتهم أمس وغزت وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فإن ذلك لن يبدل من مطالب ومواقف أهالي الشهداء والمتضررين الذين صمّ دوي الانفجار آذانهم إلا عن سماع القرارات والأحكام القضائية التي تدين المتسببين والمقصرين والتي ينتظرونها بفارغ صبر ويتملكهم الغضب الى حدود الانتقام بفعل إصرار بعض المعنيين على حرمانهم من أن يشفي العقاب صدورهم ويبرد قلوبهم.
لن تخفف الاطلالة الرئاسية والمواقف السياسية من حجم التحركات الشعبية التي من المفترض بحسب المعلومات المتداولة أن يشهدها لبنان اليوم، بل على العكس فإنها قد تؤججها لما تضمنته من تنظير ورفع مسؤوليات وتبادل إتهامات وكلام لا يسمن ولا يغني من عدالة بات يشكل محركا أساسيا للاحتجاجات الشعبية التي قد تحييها مجددا الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت لتكون إمتدادا أو إستكمالا لانتفاضة 17 تشرين.
كل لبنان يتضامن اليوم مع شهداء ومتضرري إنفجار 4 آب، وإذا كان السواد الأعظم سيشارك في الاحتجاجات طلبا للحق والعدالة، فإن كثيرا ممن لم يقتلهم الانفجار سيشاركون للدفاع عن أنفسهم أمام سلطة تفتش عن طريقة ما لقتلهم من خلال حرمانهم من أبسط مقومات الحياة والعيش الكريم، والاصرار على عدم تشكيل حكومة لوقف الانهيار الحاصل والبدء بعملية الانقاذ بدعم دولي من أجل مكاسب ومصالح شخصية تبدأ من الثلث المعطل وتصل الى ضمان البقاء على قيد الحياة السياسية.
لا يمتلك رئيس الجمهورية ميشال عون ولا أي مسؤول سياسي آخر أن يلعب بمستقبل ومصير اللبنانيين بعدم تشكيل حكومة، فالأمر لم يعد ترفا أو دلالا أو تسجيل نقاط أو إستمالة شارع عبر إيهامه بالدفاع عن حقوقه، بل هو مسألة حياة أو موت، خصوصا أن معاناة وأزمات وآلام اللبنانيين من المفترض أن تتقدم على أي خلاف حول وزارة من هنا أو وزير من هناك، حيث أن الامعان في التعطيل يعتبر جريمة إنسانية، فإذا كان إنفجار المرفأ قتل 218 شهيدا ودمر العاصمة، فإن عدم تشكيل الحكومة قد يؤدي الى دمار البلد بكامله ووضع اللبنانيين أمام خيار الفقر أو الهجرة أو الموت.
لا يختلف إثنان على أن كلام الرئيس عون حول المرفأ وجريمته والتحقيقات وحقوق عوائل الشهداء كان عبارة عن جمل إنشائية، لكن ما يُبنى عليه في إطلالته التلفزيونية هو تأكيده على “وضع آليات الحل على السكة الصحيحة عبر تشكيل حكومة واعدة”، وتمنياته بأن “تصدر مراسيم التشكيل في أسرع وقت”، ومعاهدته اللبنانيين بأنه “سيسعى يدا بيد مع الرئيس المكلف ووفقا لمقتضيات الدستور الى تذليل كل العراقيل في وجه تشكيل حكومة إنقاذية”.
لا يحتاج كلام الرئيس عون الا الى ترجمة فعلية يوم الخميس المقبل موعد لقائه الخامس مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، خصوصا أن اللبنانيين حفظوا كلامه عن ظهر قلب، ومن المفترض أن يسألوه عنه، فإذا كان عون حريصا على تشكيل الحكومة، فإن ميقاتي أشد حرصا، ولعل الايجابيات التي أظهرها منذ تكليفه كانت كفيلة بالتأكيد على أنه لم يأت ليدخل في سياسة محاور أو سعيا وراء منصب، بل هو آثر حمل كرة النار عله يستطيع وقف الانهيار تمهيدا للانقاذ، فهل يترجم عون كلامه بالتوافق مع ميقاتي وإصدار مراسيم الحكومة الجديدة، فيعطي جرعة أمل للبنانيين في ظل هذا الظلام الوطني الدامس، أم أن كلام ليل 4 آب، ستمحوه رغبات المحاصصة وشهوة السلطة؟
لبنان 24