وكأن البلد بألف خير من ألله وحزبه، فأقفل المسؤولون خطوط التواصل، و”فرّصوا” لقضاء عيد أضحى، حتى دون استقبالات شعبية عنوانها “النقّ والبقّ”. ولتكتمل مظاهر العيد، لم تكذّب رئاسة الجمهورية خبر “المنار”، فأعلنت عن موعد الإستشارات النيابية الملزمة يوم الإثنين 26 تموز، ليعيّد اللبنانيون مرتاحين، في أرتال السيارات أمام المحطات والمرشّحة إلى الإزدياد، وساعات تقنين المولدات المؤكّد أنها إلى ارتفاع ، أمّا “العملة الخضرا” فصعودها الصاروخي بات قدراً محتوماً.
وبين الكلام عن تفاهم على إسم نجيب ميقاتي تارةً، وفيصل كرامي طوراً، والحديث عن أزمة طويلة، وما بينهما من تصعيد ناري لنائب رئيس “الأزرق” عن جدار سنّي في وجه بعبدا وحلفائها، يُمكن الإستخلاص أن الممانعة تعيش حالة من التخبّط والضياع، ستنتهي بها إلى اختيار شخصية تتقمّص “غرندايزر السراي”، جاهزة للبس “بدلة مخيّطة على قياس المحور”، رغم أن ثمة من يردّد أن سيناريو المشاورات الملزمة سينتهي الى تفعيل حكومة تصريف الأعمال بالقوة، بموازاة رفع وتيرةَ اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، مع رمزية ما يضم بالنسبة للأميركيين.
وسط هذا المشهد، تتنوّع القراءات والتحليلات المتصلة بالأحداث الجارية، من الحضور الأميركي المفاجئ في بيروت، إلى “تنشيط” حكومة الظلّ في المجلس الأعلى للدفاع، في انتظار اتضاح خلفيات التكليف والتأليف الجديدين ، وسط عجز ثنائي العهد – “حزب الله” عن إيجاد بديل عن شيخ الوسط حتى اللحظة، رغم كل المساعي القائمة، والتي أوكلت الحارة جانباً منها لعين التينة، على بيت الوسط لتزكية ودعم إسم للتكليف.
في المقابل، وعلى رغم التطورات الدراماتيكية التي شهدها مسار التدخل الفرنسي منذ قرابة العام، تصرّ باريس على تمسّكها بمبادرتها “اللقيطة”، معلّلة ذلك بالإجماع الدولي حولها من جهة، وكونها مشروع الإنقاذ الوحيد المطروح على الطاولة حالياً، من جهة ثانية. أمرٌ مجافٍ للحقيقة، بحسب العالمين بكواليس القرار في واشنطن، والتي يبدو أنها تغرّد خارج “السرب الفرنسي”، “فاتحة خط عا حسابها” مع الرياض، خصوصاً في ما خصّ لبنان، مع فصلها المسارين السياسي عن الإجتماعي – الإنساني عن بعضهما البعض.
إنسداد الأفق الداخلي، الذي عمّق حجمه اعتذار الشيخ سعد، جعل من خيوط اللعبة أكثر من أي وقت مضى، مرهوناً بالمواجهة الخارجية، حيث يسعى الفريق الأميركي – العربي، إلى تكليف شخصية من خارج النادي السياسي التقليدي، لتشكيل حكومة من شخصيات ذات سمعة طيّبة وخبرة ومصداقية من خارج دائرة الأحزاب، تنحصر وظيفتُها في إدارة الأزمة الإقتصادية بما “يتلاءم مع آلية مالية دولية تضمن استمرار الخدمات العامة اللبنانية الرئيسية”، وقف التهريب عبر الحدود، الإعداد للإستحقاق النيابي المرتقب في آذار / نيسان 2022، تاركاً المجال أمام مروحة من الأسماء التي سبق تداولها، أو تلك التي استُجدّ طرحها.
عند هذه النقاط تتقاطع القراءة الدولية للوضع، والتي يجب رصد كيفية ترجمتها من قبل الطبقة الحاكمة، لوضع “التخريجة المشرّفة” قيد التنفيذ، والتي تحتاج لموافقة العهد عليها، بكل قواه السياسية التي يتشكّل منها. فإذا حصل كان به، وإن عرقل الإخراج، فعندها ستكون الطبقة في مواجهة مع المجتمع الدولي وعواصم القرار المعنية، حيث اتُخذ القرار بفرض إجراءات مؤلمة. فهل جاءت خطوة رئاسة الجمهورية بتحديد موعد تاريخ الإستشارات “للقوطبة” على المشاورات الجارية خارجياً؟ أم هي فسحة زمنية كافية لإنجاز الصفقة وآلية تطبيقها؟
واقع الحال، رغم عدم اقتناع الكثيرين من المراهنين على الإتفاق الأميركي – الإيراني، هو أن قرار واشنطن – الرياض بعدم جواز استمرار الورقة اللبنانية في الضاحية الجنوبية، قد اتُخذ عملياً وبوشر بتنفيذ مرحلته الثانية، وما أعلنته عوكر، عن “أن وفداً من مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية التابع لوزارة الخزانة الأميركية سيزور بيروت في الفترة ما بين 19 و21 تموز الحالي، حيث سيجتمع مع محاورين من القطاع المالي وجماعات المجتمع المدني للمشاركة في مناقشة القضايا المتعلقة بالفساد والتمويل غير الشرعي ومكافحة الإرهاب؟”، ليس سوى الخطوة الأولى من المرحلة الجديدة.
كلنا يعرف القول المأثور “في العجلة الندامة وفي التأنّي السلامة”… والمثل اللبناني يقول “قاضي الولاد شنق حاله”… مناسبة هذا الكلام أنه في حال صحّ ما قيل عن اقتراح حل لـ “إستيذ” عين التينة لمسألة الوزيرين المسيحيين، يقوم على اختيارهما بالقرعة، تكون “جمهورية جهنّم” أول مزرعة في العالم يتم اختيار وزرائها “بالسحب”… وتسألون بعد عن العبقرية اللبنانية… فهل يتم اللجوء إلى هذا الحل في حال تعذّر تسمية رئيس مكلّف؟ هل يكون الحل بجمع أسماء الأوفر حظاً في علبة، وسحب الإسم بالقرعة… بهالبلد كل شي بيصير بحسب الشاطر حسن، ولكن تبقى المشكلة بمن سيقوم بالقرعة؟ ترى، “ميشال الصغير” أم “نبيه الصغير”، العلم عند الله إن لم نقل القرار عند حزبه.