يتخبط اللبنانيون بأزمتهم الاقتصادية التي تتفاقم يوما بعد يوم على صدى الخلافات السياسية الداخلية ذات الارتباط الخارجي والبعد الاقليمي والدولي.فعلى الرغم من تراكم الفساد والهدر والسرقات وكل أشكال اللامسؤولية التي انتهجتها السلطة اللبنانية بالوانها وأقطابها المختلفة منذ ما قبل الطائف ومرورا به ووصولا الى اتفاق الدوحة والمرحلة الأخيرة التي تلته، يبدو ان الحديث عن الأزمة اللبنانية يأخذ بعدا دوليا قد يدفع باستمرار مفاعيل الأزمة الى ان تحدد ملامح الاتفاق الدولي الجديد.
والى حين بلوغ هذا الاتفاق، وبعيدا عن الاسباب والخلفيات، تظهر واضحة الرغبة الدولية بالتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية.وآخر الفصول هو التوصية التي قام مجموعة من النواب الفرنسيين برفعها الى مجلس النواب الفرنسي، والتي لم تتحول حتى الساعة الى مشروع قانون حتى تتمكن فرنسا من تحويلها الى الأمم المتحدة.
وفي التفاصيل، تدعو التوصية الى انشاء فريق عمل دولي تحت سلطة الأمم المتحدة والبنك الدولي بهدف تعزيز الأعمال الإنسانية والانمائية في لبنان.كما تشجع التوصية فرنسا وشركاءها العرب والغربيين على دعم القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي لتلافي انهيارها ومواصلة مواجهة خطر “داعش” وخطر آفة المخدرات في المجتمع اللبناني.كما تدعو التوصية الى ضرورة اجراء الانتخابات التشريعية والبلدية والرئاسية خلال العام ٢٠٢٢.
اذا، كيف يمكن قراءة هذه التوصية الفرنسية وهل يمكن لها ان تبصر النور في ظل الاصطفافات العالمية الحالية؟
روسيا والصين قد يمنعان التدخل المباشر في لبنان
في هذا الاطار يتحدث لـ “لبنان 24″ ألاستاذ المحاضر في القانون في كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف، الدكتور رزق زغيب ويقول ” هناك مجموعة سيناريوهات يمكن الكلام عنها أمام القرار الفرنسي الأخير، فالأمم المتحدة، وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، اي بعد سيطرة الاحادية السياسية عليها، أقدمت على التدخل عبر مجلس الأمن وتحت ما يعرف بالبند السابع في مجموعة دول كانت تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية وأمنية.
فعلى سبيل المثال وبعد معاناة طويلة عاشها الصومال ويوغوسلافيا السابقة، وبعد تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلدين بين الأعوام 1992 و1994، قررت الأمم المتحدة ارسال بعثات انسانية الى البلدين المذكورين لتقوم من خلالها بتوزيع المساعدات الاجتماعية من مأكل ومشرب وحاجات استشفائية وغيرها من المؤن اللازمة،
وبعد فترة من عمل هذه البعثات الأجنبية أو ما يمكن تسميته فرق العمل او فرق الاغاثة الأجنبية كما جاء في القرار الفرنسي، وبعد تأكد الأمم المتحدة، ان هذه الفرق لم تستطع عبر دورها الانساني من تأمين الاستقرار المجتمعي وعبره الامني، عمدت الامم المتحدة للجوء الى البند السابع، اي الى التدخل العسكري المباشر.
لكن، من الواضح ان هذا السيناريو قد يكون مستبعدا من التطبيق في لبنان او في اي بلد آخر حاليا وذلك لعدة اسباب ابرزها، عودة التوازن الى مجلس الأمن بعد العام 2008، وذلك عبر عودة اللاعب الروسي ومعه الصيني، اللذين يمتلكلان حق “الفيتو” وهذا ما يمنع الولايات المتحدة الاميركية بالتفكير والعمل في الاسلوب نفسه الذي اتبعته بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وهيمنتها على القرار الدولي.
أما السبب الثاني فهو يعود الى التجربتين الفاشلتين في كل من الصومال ويوغوسلافيا السابقة، اذ ان التدخل العسكري حينها أدى الى تشابك مع المجموعات الداخلية والى ازدياد وتيرة العنف ما دفع القوات الأجنبية الى الانسحاب على وقع الرفض الداخلي المطلق لها”.
اذا وبصورة نظرية بحتة وبعد المقارنة التي لجأنا اليها، يبدو التدخل الخارجي في لبنان صعبا ودقيقا، لكن امام لعبة تداخل المصالح الدولية، وامام الانهيار الاقتصادي الذي يشتد يوما بعد يوم وما سينتج عنه من أزمات اجتماعية وأمنية، وبعد الدعوات الكثيرة لعقد مؤتمرات دولية من اجل لبنان، قد يكون القرار الفرنسي فاتحة لتدخل مباشر لم يحدد شكله حتى الآن.
المساعدات الانسانية لا تمس بمبدأ السيادة
اما في ما يخص الدستور اللبناني وموقفه من التدخلات الخارجية، يؤكد زغيب ان ” السيادة هي المبدأ الأساسي التي يعمل وفقها الدستور اللبناني، لا بل يقدسها ويشدد على تطبيقها، من هنا وعملا بمبدأ السيادة، يرفض الدستور التدخل الخارجي اكان اقتصاديا ام عسكريا او باي شكل من الاشكال.
وهنا لا بد من الاشارة ان التوصية الفرنسية وبحال وصلت الى الأمم المتحدة، لا بد لها من ان تمر بالسلطة التنفيذية اللبنانية حتى تصبح قابلة للتنفيذ،
وعندما نقول السلطة التنفيذية، نعني رئيس الجمهورية، الذي يحفظ له الدستور حق ابرام المعهدات والاتفاقات الدولية ومجلس الوزراء مجتمعا المنوط به تحديد السياسات الخارجية للدولة اللبنانية.
لذلك وبعيدا عن التدخلات الانسانية التي وباعتراف معظم دول العالم لا تمس بالسيادة الداخلية لاي بلد، لا يمكن لأي دولة ان تتدخل عسكريا او اقتصاديا في لبنان الا بعد موافقة السلطات المختصة،او عبر التدخل بالقوة، اي بقرار من مجلس الامن”.
التدخل الدولي الانساني الأول عبر التاريخ حصل في لبنان
ويضيف زغيب معتبرا انه “لا بد من التذكير بمراحل تاريخية لبنانية شهدت تدخلا اجنبيا بشكل واضح وصريح، وفي هذا الاطار يمكن الحديث عن العام 1982، حين دخلت القوات المتعددة الجنسيات الى لبنان بموافقة رسمية بهدف حماية المخيمات الفلسطنية ومحاولة ايقاف الحرب الأهلية،
كما لا بد من التذكير باحداث العام 1958، ومن خلاله بالاحداث الأمنية الداخلية التي يمكن وصفها بشكل من اشكال الحرب الأهلية، والتي دفعت الى تدخل اميركي مباشر عبر الاسطول البحري السادس الذي مكث في لبنان لأكثر من 3 أشهر.
والعنوان الأخير الذي يمكن الحديث عنه هو التدخل الدولي الأول عبر التاريخ اذ لم يسبق قبله ان أرسلت اي دولة جنودا او بعثة الى اي بلد، اذ يعتبر لبنان الذي كان جزءا من الدولة العثمانية هو اول من تم التدخل بشؤونه الداخلية وذلك بالعام 1860، وبعد الحرب الدامية بين الموارنة والدروز، قدمت الى الجبل قوات فرنسية للتدخل انسانيا ولوقف الاقتتال والعنف بين المكونين الاساسيين لجبل لبنان”.
لبنان 24