عادت بورصة تشكيل الحكومة لتتحرّك في البلاد من جديد، وعادت المصادر والمصادر المضادة لنشر وتعميم الأجواء الحكومية، وكأن أركان هذه السلطة الحاكمة اليوم لا يدركون أن الوقت هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن تدويره، وما أضاعوه علينا كشعب من وقت حتى اليوم، لا يُمكن لأحد أو شيء في هذه الدنيا تعويضه علينا، لا بل على العكس يستمرون في مهاتراتهم ومناكفاتهم وفي ملهاة تأليف الحكومة، وكأن ما من مواطن جائع والوقود والدواء والمشتقات القمحيّة متوفّرة للجميع، وسعر صرف الدولار مستقرّ والحالة في البلاد على أحسن ما يكون، والأنكى أن هناك من تجرّأ أن يطلّ علينا متفوّهاً بترّهات على شاكلة “أننا ندخل صيفاً واعداً سيدرّ علينا المنّ والسلوى”.
وفي مقاربة ما هو حاصل اليوم على مسار التأليف، رأت أوساط سياسية مطّلعة، أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، يتعامل مع مسألة اعتذار الرئيس المكلّف سعد الحريري أو عدم اعتذاره وكأنها معركته الشخصية في مواجهة الثنائي الرئيس ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، بحيث أنه يعتبر أن أي اعتذار من قبل الحريري يُعدّ نكسة بالنسبة له وانتصاراً لثنائي العهد، فيما التمسّك بالتكليف يعتبره انتصاراً له على حساب عون ـ باسيل.
ولفتت الأوساط، إلى أن المعركة اليوم لم تعد فقط ما بين الحريري والرئيس وصهره، وإنما تحوّلت إلى طبيعة أخرى حيث يقود المواجهة فيها الرئيس بري، لذلك، بطبيعة الحال هو لا يريد أن يشكّل اعتذار الحريري نوعاً من هزيمة له، خصوصاً وأنه سيكون لهذا الإعتذار متمّماته على المسرح الوطني في حال لم يُنجَز الإتفاق مسبقاً على من يخلف الحريري وعلى شكل الحكومة وطبيعتها.
ونقلت الأوساط عن مصادر مقرّبة من بري، تأكيدها أن الإعتذار لن يبدّل الأزمة الحكومية أبداً. ولدى سؤالها عما سيتبدّل على مستوى الحصص والتوازنات التي يريدها عون داخل الحكومة في حال لم يكن الرئيس الحريري هو الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة؟ تعتبر مصادر بري، أننا سنعود إلى المربّع نفسه مع أي رئيس آخر، طالما أن العهد متمسّك بموضوع الثلث المعطّل.
وأشارت الأوساط، إلى أن البحث يتركّز اليوم في خيارين:
ـ الأول، ألا يعتذر الحريري وأن يبقى متمسكاً بموقفه، على الرغم من الضغوط الهائلة عليه من قبل الشارع في ظل التراجع المالي، أو جراء المسعى الدولي لتشكيل حكومة في لبنان، مع العلم أنه لا يريد أن يصوّر نفسه على أنه حجر عثرة أمام ولادة الحكومة، بغضّ النظر عن أن من يتحمّل مسؤولية عدم التأليف هو العهد ، بفعل الشروط التي يضعها.
ـ أما الثاني، بحسب الأوساط، فهو أن أي اعتذار من قبل الحريري يجب أن يكون مُسبقاً بـ Package Deal، أي اتفاق على رزمة كاملة لتحاشي أن يكون هناك حساسية شخصية ما بين العهد والرئيس المكلّف الجديد، أو اعتبارات سياسية أخرى لها علاقة بأن الحريري هو حليف الثنائي بري ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، اللذين لديهما مرشحاً رئاسياً وهو الوزير السابق سليمان فرنجيّة، لذا تجنباً لكل ذلك بدأ يتبلور نوع من كلام عن Package Deal يتضمّن رزمة من البنود التي يتم السعي للإتفاق حولها.
وأوضحت الأوساط أن هذه البنود هي: البند الأول، أن يخرج الرئيس المكلّف الجديد من بيت الوسط، أي أن تتم تسميته من قبل الرئيس الحريري شخصياً وأن يكون الشخص المسمّى يحظى بدعم رؤساء الحكومات السابقين وبيئته السنيّة، وذلك عبر اختيار إسمين أو ثلاثة أسماء. أمّا البند الثاني: أن تراعي الحكومة التوازنات التي يُعمل عليها اليوم، بمعنى ألاّ تضم ثلثاً معطّلاً لرئيس الجمهورية وفريقه، وأن يكون هناك احترام لكل ما يحكى عنه اليوم في موضوع توزيع الوزارات والتوازنات داخلها، بحيث تسقط أية محاولة للهيمنة من قبل الفريق العوني على الفريق الآخر داخل الحكومة. والبند الثالث: أن يكون من ضمن الـPackage Deal، إستبعاد أية أسماء نافرة للرئيس عون ومنع محاولة تمريرها داخل الحكومة.
أما بالنسبة لمدى إمكانية ولادة اتفاق من هذا النوع، يشكّل بديلاً ومخرجاً لسعد الحريري على قاعدة حكومة انتخابات تشكل بالحد الأدنى غطاءً له في عبوره من مرحلة التكليف إلى مرحلة الإعتذار، خصوصاً لناحية أن رئيسها ستتمّ تسميته من بيت الوسط، أوضحت الأوساط، أنه من خلال إبرام اتفاق مماثل يمكن للحريري أن يقول داخل بيئته أن سبب اعتذاره هو أن الحكومة المُراد تشكيلها هي حكومة انتخابات وليست إنقاذيّة، وبالتالي، لا داعي لأن يكون هو على رأسها، وأنه اعتذر، لكن طيفه بقي في الحكومة بحكم أنه هو من سمى الرئيس المكلّف الجديد، لذا، فإن اعتذاره ليس انتصاراً أبداً للفريق الآخر، وإنما مجرّد تموضع تكتي جديد، وأنه اعتذر لأن هذا العهد يتعاطى مع الأمور الوطنيّة بخلفيات شخصانية، وبالتالي، أمام دقّة المرحلة وخطورتها المالية قرّر الذهاب في هذا المسعى الذي لا شك في أنه لا يزال في بداياته ولم يتبلور بعد.
إلا أن الحقيقة الواحدة تكمن في أن الأزمة تتفاقم، والعهد يريد أن يذهب حتى النهاية في هذه المواجهة، في حين أن هناك قوى سياسية أخرى، تعتبر أن مصلحة البلاد أهم من الإنزلاق في مواجهة الخاسر الوحيد فيها هو البلد والشعب، لذلك ما نشهده اليوم هو محاولة أخيرة لمحاولة تأليف حكومة برئاسة سعد الحريري وفي موازاة ذلك يتم العمل على إنضاج Package Deal.