كتب أحمد الايوبي في “اساس ميديا”:
يختصر الحاج حسام الصباغ، وهو من الوجوه الشعبية والإسلامية المعروفة في مدينة طرابلس، الموقف المتوتّر في طرابلس وما جرى يوم الإثنين 26 حزيران 2021، بالقول لـ”أساس”: “إذا أردتَ تهدئة الناس، فعليك أن تجرّ خلفك صهريج مازوت أو شاحنة غذاء أو دواء.. وبغير ذلك، لم يعد ممكناً الحوار مع الناس”. لكن في الوقت نفسه يؤكّد أنّ “الصدام مع الجيش لا يعيد حقّاً ولا يوطّد استقراراً، ولا يحلّ المشاكل الإنسانية والمعيشية للناس، وهذا هو الأفق المسدود الذي وصلنا إليه الآن في طرابلس، وقريباً في كلّ لبنان”.
استندت حركة الاحتجاج الأخيرة إلى تركيب مجموعة شائعات ضُخَّت باحتراف وكثافة في وسائل التواصل، منها تركيب صورة لرجل يحمل فتاة، تبلغ من العمر قرابة اثني عشر عاماً، تعاني مشكلة في التنفّس وتستعين بآلة لضخّ الأوكسيجين، ولذا فالكهرباء ضرورية للمحافظة على حياتها. في صباح الاثنين الماض. وسرت شائعة تتحدّث عن وفاة الطفلة، وتصدّرت مواقع التواصل، فبدأت التحرّكات المسلّحة في حارة البرانية عند الساعة الواحدة إلاّ ربعاً من ظهيرة الاثنين. أعقب ذلك إطلاق نار في شارع سوريا، وساحة الأسمر، وملعب الجهاد، بشكل متزامن، مع ظهور مسلّح في مقبرتيْ الشهداء والغرباء، مع تسجيل وجود ملثّمين رجّح أهالي المنطقة أن يكونوا سوريين.
في هذا التوقيت تحرّكت مجموعات في الجسرين غرب التبانة، ونقطة الريفا في القبة والمنكوبين، وبعد نصف ساعة انتشر ثلاثون مسلّحاً بالمسدسات في ساحة التل، مستخدمين المسدسات لإجبار التجّار والصيارفة على إغلاق محالّهم.
كان الظهور المسلّح منظّماً ومحترفاً واستعراضياً، ونجح في الاختفاء السريع لتجنّب الاصطدام مع الجيش. وكان واضحاً أنّ هناك مَن يرصد حركة الجيش ويدفع إلى مطاردة عناصره، كما حصل مع القناص في مقبرة الشهداء، حيث دُفِع فِتيان إلى مواجهة العسكريين لإخراجهم منها وإبقائها مساحة خارج السيطرة الأمنيّة، لأنّها عبارة عن مساحة محصّنة حيث القبور متاريس جاهزة.
رئيس جمعية البشائر عميد حمود قال إنّ “البعض يريد عرقلة مسار الجيش، وعلى رأسهم جماعة محور الممانعة، أي “حزب الله” والنائب جبران باسيل، وهؤلاء يبذلون جهوداً واضحة للتخريب الميداني”، وأوضح أنّ “المجموعات المحسوبة على الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري كانت تتحرّك في المنطقة، كاشفةً عن وجوهها المعروفة لدى الجميع. وهناك فئة الغوغاء الذين يشكّلون مقصداً لكلّ من يريد التخريب في المدينة. وهناك الناس الموجوعون الذين تتعالى صرخاتهم ولا يمكن تجاهلها، وقد تكون طريقة تعبيرهم في كثير من الأحيان غير صحيحة، لكن لا نملك القدرة على إدانتهم نظراً إلى التدهور الهائل في الأوضاع المعيشية”.
ورأى حمود أنّ “ما يجري يهدف بشكل رئيس إلى تعطيل دور الجيش، وأنّ الأطراف التي تلعب بالنار في طرابلس يجمعها تحالف موضوعي”.
واستغرب حمود “التخطيط للانتخابات بدل أن تُعلَن حالة طوارئ شاملة لإغاثة الناس قبل أيّ شأن آخر. وبعد إتمام هذا الواجب، أو بموازاته تماماً، يمكن الحديث عن الموضوع الانتخابي”.
لا يغيب دور “حزب الله” وتوابعه عمّا جرى ويجري في المدينة، فهو دفع بسراياه إلى الشارع لرفع حدّة التوتير، وتحرّكت مجموعات تابعة لرفعت عيد وساندت حركة المسلّحين في التبانة وأثنت عليهم. من جهة أخرى، سجّلت سوق السلاح في مخيم البدّاوي المجاور حركة ناشطة على أيدي الناشطين في “السرايا” التابعة للحزب.
تقع الأحداث الجارية في طرابلس، والمستثمِرة في أوجاع الناس، على خلفيّة الصراعات السياسية المندلعة حول رئاسة الحكومة. فالرئيس سعد الحريري، الذي يدير معركته أمين تيّاره العامّ أحمد الحريري ضدّ النائب فيصل كرامي، يريد إلغاء أيّ بديل محتمل له ليبقى الفراغ سائداً.
في المقابل، يتصرّف كرامي كرئيس مكلّف، وكان قد أثار في زيارته لمفتي الجمهورية مسألة الهجمات المتواصلة التي يتعرّض لها منزله في طرابلس. وحسب أوساط مقرّبة من “الأفندي” فإنّه طالب المفتي دريان بوقف الانحياز والتدخّل لوقف الهجمات على منزله في المدينة قبل أن تنزلق الأمور إلى الصدام.
أمّا الرئيس نجيب ميقاتي المترقّب حكومياً، فدفع أنصاره إلى مؤازرة التحرّكات في الشارع، وخاصة في التبانة، حيث تحرّك سعد المصري، في مسعى منه لاستيعاب حركة تلك المجموعات والتخفيف من حدّة استهدافها لمؤسسات العزم، ولشخصه في السياسة.
وفي ردٍّ حاسم على محاولات إشعال الفوضى، زار قائد الجيش العماد جوزيف عون طرابلس، ليقول “لأهلنا في الفيحاء العريقة: نحن منكم، ووجعكم وجعنا، وأمنكم أمننا، واستقرار المدينة مسؤوليتنا جميعاً”.
زيارة العماد عون لطرابلس رسالة واضحة خلاصتها أنّ الجيش ماضٍ في فرض الاستقرار، وأنّ له شريكاً واضحاً هو أهل المدينة، وأن لا رجوع إلى زمن الفوضى والتسيّب الأمني.
تتعامل قيادة الجيش مع طرابلس بالكثير من الاستيعاب، لأنّها تدرك حجم الحرمان الذي تعانيه. وكانت الالتفاتة، بتأمين كمّيات من المازوت للمولّدات في المناطق الشعبية، تعزيزاً لهذا الاحتواء، الذي يكتسب أهميّته الكبرى من أنّه يأتي في ذروة الانهيار الاقتصادي والسياسي، ليؤكّد دور المؤسسة العسكرية في حفظ الأمن الاجتماعي بعيداً من الحسابات
الضيّقة للطبقة السياسية، التي لا ترى في الفيحاء إلاّ صندوق بريد أمنيّاً متفجّراً.