كتبت ليا القزي في “الأخبار”: بعدما بات مصرف لبنان “يقنّن” تمويل الاستيراد، بات “رفع الدعم” مطلباً رئيسياً للتجّار والمستوردين. تصرفاتهم عَكست ذلك: المسارعة إلى سحب الطلبات التي تقدّموا بها إلى وزارة الاقتصاد لاستيراد مواد مدعومة، تزويد المحال الغذائية والصيدليات بالسلع بعد تحرير أسعارها… خطاباتهم أيضاً تبدّلت نبرتها، مع إعلان استعدادهم الحصول على الدولارات من السوق الموازية، ولو بلغ سعر الصرف 16 ألف ليرة مقابل الدولار. التجّار ليسوا وحدهم من رفع الصوت. يواكب تأمين مصالحهم سياسيون وكتل نيابية – في مقدمتها القوات اللبنانية وتيار المستقبل وإلى حد ما التيار الوطني الحر – تحرّض طول الوقت على التوقّف عن تمويل احتياجات مؤسسة كهرباء لبنان وتمويل استيراد السلع الرئيسية، تحت لافتة حماية أموال المودعين ووقف التهريب إلى سوريا. طيب ما هو الطرح البديل الذي سيحلّ مكان وقف الدعم، وكيف تؤمّن حقوق السكان، ويُوفّر الدعم الإضافي للفئات الأكثر فقراً وحاجةً؟ الجواب الوحيد لدى المُطالبين بهذا الطرح هو وقف “الدعم”. وفي ذلك تأمين مصلحة التجّار والمستوردين والمحتكرين.
لماذا تحرير الأسعار يُناسب التجّار والمستوردين؟ الجواب يتشكّل من ثلاث نقاط:
– اقتناع أصحاب نظرية “الاقتصاد الحرّ” بأنّ معادلة العرض والطلب هي التي تُحدّد الأسعار. يُعارض المُحتكرون والتجّار كلّ الإجراءات الهادفة إلى ضبط الأسعار وحماية مصالح السكّان… إذا لم يكن تطبيقها يؤمّن لهم ربحية مُعينة.
– المنافسة الداخلية بين التجّار على “الدولار المدعوم”. يُنظر إلى مستوردي المحروقات والدواء والقمح والسلع الغذائية على أنّهم نالوا «امتياز» تأمين الدولارات من مصرف لبنان، في مقابل تجّارٍ يشترون الدولارات من السوق الموازية. فلماذا سيقبلون باستمرار الدعم؟ بالإضافة إلى ذلك، يوجد «التنافس» بين التجّار الذين نالوا دولاراً مدعوماً، و”شكواهم” من تعامل مصرف لبنان باستنسابية معهم، فيفتح الاعتماد لـ«المحظي» بينهم ويُقنّن للآخرين، أو يمتنع عن دفع الفواتير لبعض المستوردين. هؤلاء “يُناشدون” الدولة رفع الدعم.
– السياسة المُتبعة من قبل مصرف لبنان منذ سنوات بخنق الاقتصاد، ويُجاريه فيها سياسيون ومُحتكرون وتجّار. يريدون سدّ العجز في ميزان المدفوعات (صافي الأموال التي دخلت إلى لبنان وتلك التي خرجت منه) عبر رفع الأسعار وضبط الاستهلاك، فتخفّ الحاجة إلى الدولارات للاستيراد. يُجبر السكان على تبديل عاداتهم، عبر تدمير قدراتهم المعيشية. عام 2010، نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريراً عن أنّ حصّة 20% من السكّان تُمثّل 50% من الفاتورة الاستهلاكية، أما الفقراء فحصتهم لا تتعدّى الـ 7%. يعني ذلك أنّ رفع الأسعار مقابل انخفاض عدد المُستهلكين لن يؤثّر سلباً على التجار، على العكس من ذلك مبيعاتهم ستستمر بفضل قدرات الأغنى ومن يملك دخلاً بالدولار، والبطاقة التمويلية التي قد تُغطّي الحاجات الغذائية لفئة من السكان.
المصدر: ليا القزي – الأخبار