يعتصم “حزب الله” بحبل الصمت، وقلبه على الحلفاء. حين تعصف بهم المصائب ويطاله البعض برشقة، يبالغ في القبض على الجرح. ليس في قاموس الحزب ما يوحي أنه ميّال لكسر الجرّة مع أحد، فكيف إذا كان هذا الأحد حليفاً؟
إنه جرح نازف صحيح وزادَ نزفه حدةً منذ انتُخب ميشال عون رئيساً للجمهورية. قضى الأمر أن يتم ذلك من خارج الإتفاق بين الحلفاء. حسناً. “حزب الله” يصمت عن ذمّه نعم، ليس قصوراً إنما للمحافظة على “الخبز والملح” والمودّة بين ذوي القربى السياسية. يسيء إليه وعلى نحوٍ بالغ أحوال العلاقة بين عين التينة وبعبدا وميرنا الشالوحي، أمّا وأن تبلغ المخاطبة أركان المنابر، فهذا يستدعي موقفاً. وحين تطغى السلبيات على الإيجابيات والإتهامات على صفاء العلاقة، وتصبح الصحف ووسائل الإعلام رسلاً للتخاطب ومن خارج اللياقات اللفظية، فحينها وحينها فقط لا بدّ للحزب أن ينطق إنما يصبح ملزماً في الخروج من دائرة الصمت.
يُدرك الحزب أن ثمة “جوقة إعلامية” ذات مصلحة في “التنقير” على إتفاقية “مار مخايل”. ثمة أكثر من متضرّر من وراء هذا التفاهم. البعض يبدي انزعاجه إنما يكاد يخرج البخار من رأسه حين نذكر أمامه، أن أرطالاً من الدولارات تُدفع لوسائل إعلام، على نيّة الإستثمار في فوضى العلاقة بين التيار والحزب. هذا كله مفهوم، وقد سبق لأكثر من قيادي في الحزب أن ألمح إلى ذلك، ولأجل ذلك يُبالغ “حزب الله” في صمته. لكن ما هو غير مفهوم، تلك الخدمات المجانية التي يسديها قياديو “التيار الوطني” ضمن هذا المسار وعدم مراعاتهم لحليف يبالغ أحياناً في مراعاتهم وتدليعهم!
بين “حزب الله” والرئيس ميشال عون، “جبل” من الإيجابيات والعلاقة النبيلة التي لا يريد أن يفرّط بها لأي سبب كان. في المقابل، وعلى ضفة “التيار” تولّد جبل من التساؤلات والشكوك حيال الحزب وأدواره الداخلية. ومع أن الحزب أبدى استعداده أكثر من مرّة لاستضافة “التيار” لشرح أو الرّد على أي استفسار أو التباس، ما زال العونيون يعتمدون طريق المنابر لتوجيه الأسئلة.
لم يعد سراً أن الحزب وفي ما مضى، دعا والتزاماً منه بعمق التحالف وبإصرار من “التيار الوطني”، لإجراء تعديلات على وثيقة التفاهم، وقد تجنّد الأمين العام السيد حسن نصرالله لتدشين ورشة تحت عنوان “تصحيحية” العلاقة. صحيح أن “التيار الوطني”، أبدى التزامه بذلك، لكنه لم يقرن الإلتزام بالفعل، إذ ولغايته ما عُقد من إجتماعات يُمكن عدّه على أصابع اليد الواحدة! لغايته، ما زال “التيار” يتصرف بنقيض ما يدّعي، غير مبالٍ في الجلوس والدخول في ورشة حقيقية تُطرح فيها الهواجس من دون حواجز.
ثمة من يوحي بأن “مجاهرة” قياديي “التيار الوطني”، بسوء العلاقة مع “حزب الله” أو إشاعة أجواء توحي بالتباعد بينهما، ما هو إلّا كناية عن استراتيجية مستجدّة، ولا يمكن أن يمرّ ذلك من خارج شور القيادة البرتقالية أو علمها بالحد الأدنى. هنا ينقل أكثر من متابع، الإعتقاد بوجود “بصمات” للنائب جبران باسيل، إنما توجيهات سيما وأن الأخير بات لا يجد حرجاً في تناول مسائل “حساسة” بالنسبة إلى الحزب عبر وسائل الإعلام وعلى الملأ، رغم علمه الدقيق بالأبواب “الشرعية” التي يُمكن له أن يطرقها و يدخلها ساعة يشاء ومن دون إذن لطرح هواجسه، فلماذا اللجوء الكُلّي إلى الإعلام؟
ثمة من يعتقد أن وراء الاكمة ما وراءها. “التيار”، ربما، يعتقد أن إدخال تعديلات على سقف الخطاب الموجه إلى حزب الله والإيحاء بوجود اختلافات، ربما ينفعه في كسب ودّ شرائح مسيحية على غير وفاق معه، كاستثمار إنتخابي ليس إلاّ، وآخرون يعتقدون بأن “التيار”، يوحي من خلال أسلوب بعض قيادييه، بأنه يسعى إلى كسب أوراق إضافية من الحزب عبر “الرّك” على لغة الإبتزاز، وهنا إيحاء “ماكر” بإمكان سعي باسيل لإبرام “نيو تفاهم” مع “حزب الله”، تستبطنه “جرعات رئاسية، أو سياسية مستقبلية”.
بالنسبة إلى الحزب ، نُقل عنه وأكثر من مرّة بأنه ليس في وارد منح أي أحد التزامات مسبقة. حين يُسأل الحزب عن احتمال دعمه لترشيح باسيل “المفترض” إلى الرئاسة أو وراثة عمّه الرئيس، يذمّ سائله فوراً لكون عون ما زال حي يُرزق وعلى رأس عمله، ومن المعيب تناول هذا الموضوع الآن! لهذه الدرجة يحترم الحزب الحلفاء! في المقابل، يتعامل “التيار” أو بعض أوساطه بنقيض ذلك تماماً، وكأن لهم ثأراً على “حزب الله”، وكأن الحزب مسؤول عن مواقف حلفائه، وينصّب نفسه وكيلاً على غيره، رغم أن “التيار” هو أكثر من يعلم بأن “حزب الله”، ليس تلك الجهة التي تنهر الحلفاء أو تستخدم معهم منطق الضغوطات والإملاءات!
يصمت “حزب الله” عن ذمّه نعم وإلى حين، وكرمى للجنرال ميشال عون الحليف، ولتحالف عريض عمره زمن، ولمسيرة علاقة ونضالات طويلة “و لعونيين” يقاسمونه الإحترام والودّ، ولجلوس الرجل الحليف “الجبل” إلى كرسي يعدّ “حزب الله” شريكاً فيه، ولقضايا نعرفها ولا نعرفها.. لكن لن يدوم صمته إلى ما لا نهاية! سيكون له موقف ولن يطول الأمر، وها هو عهد الرئيس الجنرال مقبل على الأفول، وما بعد العهد ليس كما قبله!
في النتيجة، الحزب ليس متشدّقاً إلى هذه الدرجة بتلك التغطية المزعومة التي يمنّن بها دورياً. من يحتاج إلى تغطية اليوم هو من يخاصم أكثر من نصف الشعب اللبناني! فالحزب يغطّي و”لحافه كبير وبيساع الكل”، ومن لديه “حرام” ويشتاقه، فليأخذه!