ليس من المغالاة القول ان مراسم دفن لبنان الدولة باتت شبه مكتملة بإجماع محلي وخارجي على أن الجمهورية اللبنانية تلفظ انفاسها الاخيرة، على الصعد كافة، لاسيما اثر شمول المعركة المحتدمة بين الرئاستين الاولى والثالثة حول تشكيل الحكومة والصلاحيات الرئاسة الثانية، وتاليا السلطة التشريعية واعضاءها الذين تساجلوا أخيراً في عناوين الانسحاب منها ومسؤولية التعطيل وايصال البلاد الى هذا الدرك من الانهيار، ما استرعى انتباه العالم وفي مقدمه فرنسا التي بادرت الى الاعداد لاكثر من خطوة من شأنها تجنيب اللبنانيين المآسي التي تتدحرج اليها الاوضاع في البلاد.
واذا كان انعقاد مؤتمر دعم الجيش اللبناني واجماعه على توفير المساعدات والمستلزمات الغذائية والدوائية للمؤسسة العسكرية لتمكينها من الصمود ومواجهة صعوبة المرحلة القادمة وما يرافقها من تفلت امني يدفع بالمقيمين من لاجئين ونازحين وحتى لبنانيين الى الهجرة والتسلل باتجاه السواحل الاوروبية مع ما يرتبه الامر من تداعيات سلبية على تلك الدول، فان التحسب الفرنسي مضى الى اكثر من ذلك، بحيث بدأت باريس منذ اليوم التحضير لمواجهة مرحلة ما بعد الانهيار بالاعداد لمؤتمر حول كيفية توفير الغذاء والدواء للبنانيين وغيرهما من المواد الحياتية الضرورية الكفيلة بتجنيبهم الاقتتال والموت جوعا.
وللدلالة أكثر الى الكارثة التي بدأ اللبنانيون يعيشون تفاصيلها منذ اليوم والمتمثلة بانقطاع المحروقات من بنزين وكهرباء التي بشر وزير الطاقة ريمون غجر بالوصول اليها في الشهرين المقبلين وانعكاسها على الاسعار، وافتقار الصيدليات الى الدواء وامتناع المستشفيات عن أستقبال المرضى حتى المضمونين منهم، جدير التوقف عند تعميم ادارة الامم المتحدة على موظفيها والعاملين لديها في لبنان وجوب تأمين الطعام ومياه الشرب والدواء لمدة اسبوعين اضافة الى ملء خزانات سياراتهم بالوقود في خطوة تعتبرها المراجع الدبلوماسية تمهيدا لعمليات الاجلاء عند دق النفير اي السقوط المدوي للنظام ولكل ما يسمى دولة في لبنان.
والغريب وفق ما تقول أوساط سياسية معارضة أن كل ذلك يجري تحت اعين المسؤولين أن لم يكن بتواطؤهم، والا لماذا هذا التلهي بمواضيع ومكاسب شخصية اقل ما يقال فيها انها تافهة مقارنة مع المآسي والمصائب التي يواجهها اللبنانيون على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والسياسية والحزبية، ولمصلحة من انهيار لبنان وزواله عن الخريطة العالمية وقد حذر من هذا المصير وزير خارجية فرنسا جان ايف لودريان منذ أشهر فلم يأبهوا لتحذيره المستند الى معطيات حسية وميدانية؟ وهل من فريق لبناني وطني ايا يكن يناسبه الوصول الى نقطة الانهيار الشامل، اذا كان بعد من وطنيين؟
الأرجح تختم الاوساط أن ثمة من خطط ورسم ودفع وما زال لبلوغ هذا الهدف. الايام والاشهر المقبلة كفيلة حكما بكشف المخرج الفعلي لمسلسل “انهيار لبنان” ووضع اليد على الدولة.