بالاستناد الى المعلن من مواقف وآخرها للأمين العام السيد حسن نصرالله في آخر اطلالاته الاسبوع الماضي، يريد حزب الله حكومة أكثر من اي يوم مضى. دخل على الخط، وأوكل مهمة الوساطة الى رئيس مجلس النواب نبيه بري، علّه بحنكته المعهودة معطوفة على مساعي الحزب لازالة الالغام يتمكن من اخراج التشكيلة من قمقم التعطيل لتبصر النور وتؤمن له الغطاء الشرعي الذي يتفيأ به منذ اكثر من عقدين.
في التجربة اللبنانية، لا سيما في السنوات الاخيرة كان الحزب، حينما يتدخل جديا ويتوافر القرار والارادة، تذلل العقد وتفتح آفاق الحلول بسحر ساحر، فلماذا لم يفعل فعله اليوم، وهل تقلص حجم نفوذه السياسي الى درجة عدم القدرة على التأثير؟
قطعا لا، تقول مصادر سياسية مطلعة على ما يدور في اروقة فريق 8 اذار لـ”المركزية”. هو فعلا يريد حكومة، لكن في المقابل لا يضغط بما يكفي في اتجاه العهد والتيار الوطني الحر لحملهما على السير بمبادرة بري. لماذا؟ لأنه يقبع في موقع حساس ودقيق في لحظة اقليمية ودولية حرجة، يخشى معها الاقدام على دعسة ناقصة من شأنها ان تضع مصيره في الداخل على المحك. وتشرح ان الحزب غير الراضي عن اداء حليفه المسيحي الذي اوصله بمثابرته وعناده الى رئاسة الجمهورية، في الملف الحكومي ويأخذ عليه عدم تعاونه مع الرئيس المكلف سعد الحريري الذي لم يعد تمسك الثنائي الشيعي به خافيا على احد، يحاذر ممارسة المزيد من الضغط على الرئيس ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل مخافة ان يذهب الاخير في اتجاه اقناع الرئيس بطرح ملف الاستراتيجية الدفاعية ووجوب تطبيق القرارات الدولية ومن ضمنها الـ1559 وضرورة حصر السلاح بيد الشرعية، على طاولة حوار، مهيأة ارضيتها اليوم، فيصبح “رأسه بالدق”، بحيث يدفع باسيل ثمن رفع العقوبات الاميركية عنه من جيب حزب الله ويقدمه كبش فداء في محرقة مصالحه الخاصة.
تبعا لذلك، يدوزن الحزب خطواته، تضيف المصادر، وهو على يقين ان ما يدور من تسويات لحل ازمات الشرق الاوسط من فيينا الى اليمن والعراق وسوريا، لا بد سيؤدي الى تموضع ايراني جديد في المنطقة، اولى نتائجه ضبط الاذرع العسكرية لايران، والحزب في مقدمها. الامر تنبه اليه الكثيرون في الداخل اللبناني لا سيما ممن لطالما كانوا محسوبين على سوريا في الجناح الايراني- السوري، وقد لوحظت انعطافتهم في الاتجاه العربي- السوري اخيرا عبر المواقف او التبريكات الفضفاضة للرئيس بشار الاسد بإعادة انتخابه والحرص على نشر مضمون الاتصالات به، وهو ما فعله باسيل اخيرا، الامر الذي اعتبره المراقبون “زكزكة” للحزب.
في هذا المجال، ترصد المصادر اكثر من اشارة بين الداخل والخارج. فالى سيل التهانئ اللبنانية للأسد، لم يعد خافيا ان عودته رُبطت دوليا بثمن سياسي لا بد سيتظهر قريبا، يُرجح ان يتبلور بتقليص نفوذ ايران تدريجيا في سوريا، وصولا الى خروج كامل اذرعها من اراضيها بما يقطع الشريان الحيوي بين طهران وحزب الله.
وليس ما يجري في العراق بعيدا من تحجيم ايران، فالمواقف الصادرة اخيرا من اكثر من طرف لا سيما الشيعي، من مقتدى الصدر الى عمار الحكيم، في شأن تفويق الوطن على الطائفة ووضع العراق اولا تحت شعار ” ايا كان مذهبك ودينك..هذا وطنك”، ووقوف هؤلاء الى جانب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من اجل اعادة بناء الدولة، مؤشر اضافي الى المقبل على المنطقة من رياح تغييرية ستلفح حزب الله حكما.
ومن العراق الى غزة، تنتقل المصادر لتفندّ التطورات البالغة الدلالات، مع الدخول المصري القوي على القطاع تحت ستار اعادة الاعمار بعدما تمكنت القاهرة من فرض وقف اطلاق النار بين الفلسطينيين والاسرائيليين بمساع دولية مشتركة. وتقول ان مصر التي ارسلت الآف الجنود الى غزة، ستتولى مهمة سحب حماس والجهاد الاسلامي من تحت العباءة الايرانية لاعادتهما الى الحضن العربي، لتتلاقى المحطات هذه كلها من سوريا الى العراق فغزة في هدف واحد، اعادة العواصم الثلاثة، مضافة اليها بيروت حكما، الى عروبتها وانهاء السطوة الفارسية عليها.
هذا ما يشعر به حزب الله تختم المصادر، ويسعى قدر الامكان الى ابعاد شبحه عنه اقله في المدى المنظور من خلال عدم استثارة العهد الحليف او ممارسة الضغط عليه خشية تسريع الوتيرة المشار اليها، وما يترجم عمليا على الساحة اللبنانية ببروز نسختين من 8 اذار، “8 اذار عربية- سورية و8 اذار ايرانية”.