رفع رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب الصوت امس، مستغيثا وطالبا النجدة من “أخوتنا واصدقائنا”، متوجها “لأشقاء لبنان” قائلا “أناشدهم عدم تحميل اللبنانيين تبعات لا يتحملون أي مسؤولية فيها. فالشعب اللبناني ينتظر من أشقائه وأصدقائه الوقوف إلى جانبه، ومساعدته في محنته القاسية، ولا يتوقع منهم أن يتفرجوا على معاناته أو أن يكونوا مساهمين في تعميقها. أناشد الأشقاء والأصدقاء، لبنان في قلب الخطر الشديد، فإما أن تنقذوه الآن وقبل فوات الأوان، وإلا “لات ساعة مندم”.
وتعقيبا، أسفت مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية” لان المنظومة السياسية، لم تفهم بعد ان زمن “التّسوّل” من جهة، و”المساعدات المجانية” من جهة ثانية، انتهى. فهذا النمط الذي عاشت عليه الدولة اللبنانية لعقود، منذ ما بعد سكوت المدافع في بداية التسعينيات، لم يعد مقبولا، لا في الشارع اللبناني الذي ثار ضده في 17 تشرين، ولا لدى الدول المانحة، العربية منها والغربية، بعد ان رأت ان كل دعمها ومساعداتها، ذهبت في “أنهار” الفساد والسمسرات والصفقات التي جرفت الدولة برمّتها، الى ان غرقت اليوم في ازمة اقتصادية، اعلن تقرير للبنك الدولي الثلثاء انها من “ضمن أشد عشر أزمات، وربما إحدى أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر”.
انطلاقا من هنا، تقول المصادر ان اي قرش لن يصل الى عروق الخزينة اللبنانية الجافة حتى الموت، وان اية دولة لن تجيّر الى لبنان الرسمي أيَّ فلس، قبل ان يتم تشكيل حكومة جديدة، مختلفة تماما عن كل الحكومات التي قامت في السابق، قادرة على الاصلاح والتغيير الحقيقيين، وعلى محاربة الفساد الذي ينخر مفاصل الدولة واداراتها ووزاراتها كلّها بلا استثناء، فتنال بهذا الاداء، ثقة المانحين ورضاهم ويقبلون بالتعاون معها.
واذ تذكّر بأن الرئيس دياب كان زار قطر منذ اسابيع قليلة، طالبا منها تمويل البطاقة التمويلية التي يُفترض ان توزّع على الاسر الاكثر فقرا في لبنان، فعاد من الدوحة خالي الوفاض، سيما وأنه لم يحمل اليها لا خطّة واضحة المعالم ولا ارقاما او جداول مفصّلة، تدل الى ان الوزارات المعنية قامت بعملها بجدّيّة، كي تتشجع قطر على تمويل هذا “المشروع”، تقول المصادر ان هذه التجربة، كان يفترض ان تشكّل الدليل القاطع لدياب خصوصا والمنظومة عموما الى أن لا “هدايا” بعد اليوم للطبقة السياسية، وأن على الاخيرة ان تتحمّل مسؤولياتها وتقوم بواجباتها اوّلا، قبل ان تطرق ابواب العواصم الكبرى للاستعطاء… وعليه، تستغرب المصادر، ان يكون دياب، الذي لمس بيديه هذه الحقيقة بعد زيارته الدوحة، قرّر ان يعيد الكرّة امس، ويطالب اشقاءَ لبنان واصدقاءه، بمساعدة البلد المنهار.
والحال، تضيف المصادر، ان المجتمع الدولي سيمدّ اليوم الشعب اللبناني بمساعدات الحد الادنى – كما يحصل في دول العالم الثالث وما دون، كالصومال على سبيل المثال لا الحصر- كي يبقى على قيد الحياة ويؤمّن خبزه والمياه، من خلال توزيع بعض المساعدات عليه، عبر جهات غير حكومية، أو عبر الجيش اللبناني على اعتباره المؤسسة اللبنانية الوحيدة التي لا تزال تحظى بثقة الخارج. وهذه “الاعاشات” اذا جاز القول، ستستمرّ الى ان تقوم في بيروت حكومةٌ جديدة هي نقيض كل الحكومات السابقة، فتطلق مفاوضات مع صندوق النقد وتضع خريطة طريق تسير في هديها، للخروج من الحفرة التي تتخبط فيها البلاد، لتأتي بعدها تباعا، المساعداتُ الدولية الى “الدولة”… لكن قبل ذلك، واذا لم يتوقف الهجوم على العرب وتصدير المسلحين والمخدرات اليهم، يجب الا يتوقّع اي فرد او حزب او مؤسسة تديرها المنظومة، ان المجتمع الدولي سيتعاون معها. فليُقلع الحكّام عن التسوّل وعن الرهان على ان الخارج لن يترك بيروت تسقط وسيأتي في اللحظة الاخيرة لـ”يلمَّها”، وليضطلعوا بمسؤولياتهم أوّلا، وبعدها، لكل حادث حديث، تختم المصادر.