كتب بولس عيسى في “ليبانون ديبايت”:
لا يمكن لأحد اليوم تخطّي ما حصل أمس في الشارع، والتغاضي عنه والمرور فوقه وكأن شيئاً لم يكن، باعتبار أن الأحداث فرضت نفسها على المشهد السياسي في البلاد، ولا بدّ من مقاربتها ومحاولة فهم ما حصل وأسبابه وتداعياته، فهل ما حصل كان مفتعلاً؟ ولأي سبب؟
في هذا الإطار، تحدثت مصادر مطلعة، عن تقاطع معلومات سياسية تفيد بأن ما حصل على مستوى النازحين السوريين كان محضّراً ومعدّاً منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، بحيث تمّ التحضير له في مطابخ سياسية ما بين النظام السوري ومحور الممانعة في لبنان، يهدف إلى افتعال مشهديّة سياسية إعلامية، هدفها، ليس أبداً التظهير بأن “الشعب السوري” مؤيّد للنظام ويريد مبايعته مجدّداً والتجديد له، باعتبار أنه يتم التحضير لهذه المشهديّة في سوريا في 26 الجاري، وإنما للقول أن النازحين السوريين في لبنان يؤيّدون الرئيس الأسد من جهة، ويريد أن يطلّ من خلال البوابة اللبنانية، من أجل التأكيد بأن لبنان ما زال الحاضنة لتوجّهات هذا النظام والنازحين المؤيّدين له، ويحنّ إلى زمن الوصاية السورية، بغية إعادة إحياء نظرية “شعب واحد في دولتين” من الجهة الأخرى.
وشدّدت المصادر، على أن المطابخ التي عملت على المشهديّة التي كان محضّراً لها، اعتبرت أن الشعب اللبناني سيكون راضخاً لما سيحصل، وخائفاً ومرعوباً بفعل الكلام الذي سُرّب عن الإجتماع ما بين جهاز المخابرات السعودي ونظيره السوري، والكلام الذي دأب حلفاء هذا النظام على تكراره في الأسبوع المنصرم عن سابق تصوّر وتصميم، بأن هنالك عودة للنظام السوري إلى لبنان، وسيكون هناك أضاحي سياسية. إلا أن كل هذا الترهيب المتعمّد للبنانيين سابقاً وخلال النهار، بتغريدة من هنا وأخرى من هناك، لم يلج مراده أبداً، وتم إفشال كل هذا المخطّط بشكل كامل.
وأكّدت المصادر، أن القاصي والداني يعلم أن السعودية ليست في وارد، لا من قريب ولا من بعيد، التنازل عن أي ورقة تتعلّق بأي دولة عربية، أو بسيادة أي دولة عربية وكل المحاولات السعودية التي لم تتوقف يوماً، مُرادها واحد فقط وهو إخراج سوريا من محور الممانعة، وبالتالي، من يجب أن يضرب الأخماس بالأسداس وأن يخشى على نفسه ومستقبله السياسي هم أرباب هذا المحور في لبنان، وليس القوى السيادية في البلاد.
وأوضحت المصادر، أنه في حال لم تنجح الرياض بإبعاد دمشق عن طهران فهي لن تُقيم معها أي علاقة، إلا أن النظام السوري، وعلى عادته، وكما يتصرّف أي نظام شمولي دكتاتوري قمعي في العالم، تقصّد تسريب معلومات عن أن الوصاية عائدة إلى لبنان بغية ترهيب اللبنانيين من أجل أن ينجح بإظهار المشهديّة المفتعلة في لبنان في هذا التوقيت بالذات، لتكون استكمالاً لما سرّبه من معلومات عن عودة سطوته على البلاد.
ونقلت المصادر، عن تقاطع معلومات موثوقة ، أن مخططاً قد جرى الإعداد له بعناية وعن سابق تصوّر وتصميم، يقضي بتحضير المناخ لافتعال إشكالات ومشاكل، ووضعها في مواجهة قوى سياسية في لبنان، من أجل خلق نوع من الأمر الواقع السياسي الأمني، وهو الأمر الذي تمّ إفشاله من قبل المواطنين بردّ فعل عفوي جامع في كل لبنان ضد هذه التصرّفات، بحيث أظهر الشعب اللبناني عن وعي استثنائي يُحسب له في أن عودة هذا النظام من شباك أزلامه إلى لبنان مرفوضة بعد خروجه من باب “المصنع” العريض.
ورأت المصادر، أن ما حصل هو، أنه تمّ إجهاض مخطّط سياسي جهنمي ، كان الهدف منه استكمال المشهديّة التي كانت تُعدّ من أجل أن يطلّ بشار الأسد من النافذة اللبنانية، مستفيداً من لبنان من أجل إثبات نفسه، وما حصل لم يكن محض صدفة أبداً ولم يكن عفوياً من قبل النظام السوري ومؤيديه في لبنان، لا بل كان مخطّطاً له وهو جزء لا يتجزأ من استكمال الصورة السياسية، في أن هذا النظام عائد إلى لبنان بعد أن كان قد بدأ العمل على رسمها عبر التسريبات التي أعقبت الإجتماع المخابراتي السعودي ـ السوري، إلا أن كل هذه المحاولة أجهضت في مهدها.
وختمت المصادر، مشدّدةً على أن الأمور لن تنتهي عند هذا النحو، باعتبار أن أكثر من معلومة أكّدت أن النظام السوري سيواصل محاولاته في اتجاه استكمال المشهديّة الآنفة الذكر، لأنه يعتبر أن لبنان هو الرئة التي يتنفس منها سياسياً.
كتب روني ألفا في “ليبانون ديبايت”:
لم يستفزّني مشهدُ حافلاتٍ تقلُّ سوريين يتوجهونَ للإدلاءِ بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية السورية. لم تجرّني ممارساتُ نهارِ أمس على تذكُّرِ شعار ” السوري عدوّك ” التي كانت تُرسَمُ بعبوات البويا على أغلب الحيطان في الأحياء المسيحية الشعبية. أن يَحمِلَ السوريون صُوَرَ بشار الأسد مشهدٌ طبيعيٌ أيضاً طالما أنهم لا يتحدّون أحدًا.
ليسَ هناكَ في دستورنا مادة تجرّمُ فعلَ رُكوبِ حافلةٍ والتلويحَ بعَلَمٍ كما أنه لا مادة قانونية أو دستورية تمنعُ مواطنَ دولةٍ أجنبيةٍ من الإدلاء بصوته في بلدنا. غيرةُ الدين استيقظتْ في توقيتٍ مشبوه ولغايةٍ مشبوهة في نهر الكلب؟للنقاش الهادئ. أكثرُ حقداً من القصفِ الإسرائيلي على غزّة عنصريّةٌ تقصفُ حافلات سوريين فقراء لا ذنبَ لهم سوى أنَّ الحربَ على سوريا أجبرتهم على النزوح. ماذا يستفيدُ قطّاعُ الطرق من تفلِّتِ الغرائزِ سوى استنهاض الأحقادِ ونبش قبور الحرب التي من المفترض ان تكونَ قد ولَّتْ من دونِ رجعة؟
في تقريشِ السياسةِ المكسبُ واضح. محاولةُ العودةِ إلى كانتون مع كاملِ عتاده العقائدي الضيق. تحشيدٌ لشبابٍ مسيحيٍ على خلفيةِ حربٍ مع سوريا أكلَ الدهرُ عليها وشربَ وهضَمَها التاريخ. محاولةٌ لاستنساخِ قضيةٍ بعد ان تبيَّنَ أن تسوياتَ المنطقة ستمحي شعاراتَ التقوقع. مشوارٌ على حافة الهاوية وخارج التاريخ رأيناهُ نهارَ أمس. الجغرافيةُ نهر الكلب والأدواتُ زهرة شباب المسيحيين المُغَرَّر بِهم.
مشهدٌ ” أبوكاليبسي “. جيشٌ متأهبٌ إنما حائرٌ بين التدخل لفضِّ الفتنة وبين الفِرجةِ وتأمُّلِ حلولِ الفَرَج. من جديد فرزُ المسيحيين بين من يُرِيدُ الدخولَ الى التسويةِ الوشيكةِ وبين من يُرِيدُ التمردَ عليها. عن التسوية؟ تكريسُ إنجازاتِ محورِ المقاومة في المؤتمرِ التأسيسي القادمِ بسرعة. نزعةٌ تتحولُ إلى إرادةٍ سياسيّةٍ لجعلِ نهر الكلب حدوداً لجمهوريةٍ صغيرة، جمهوريةٌ تقتاتُ على قمحِ العنصرية وتأكلُ لحمَها بأسنانها.
في لبنان يحدثُ ان فشِلْنا في كل الإستحقاقات الديمقراطية بالرغم من الإستقرارِ الأمني. الانتخاباتُ الفرعية نموذجاً. حتى انتخابات النقابات نخرَها السوسُ الطائفيُّ وتجري محاولاتٌ لتطييرها. شكوكٌ جديةٌ تحومُ حول احتمالِ نسفِ الانتخاباتِ التشريعيةِ في أيار المقبل. فراغاتُ رئاسةِ الجمهورية في لبنان تكادُ تتحولُ الى تراثٍ وثقافةٍ واختصاصٍ يُدَرَّس في الجامعة. بالمقابل انتخاباتٌ رئاسيةٌ في سوريا رغم حربٍ شاركَ فيها الروسيُّ والأميركيُّ والتركيُّ والإيرانيُّ والإسرائيليُّ والأوروبيُّ والصينيُّ والعربيُّ كل بحسبِ روزنامته. يبدو لي ان سوريا والحالةُ هذه أكثرُ قدرةً على صيانةِ نظامها من قدرتنا نحن اللبنانيين.
الأسوأُ أن المسيحيين مثلما جرت العادة يدفعونَ من رصيدهم ثمنَ جمهوريَّةِ نهر الكلب. يخسرونَ حربَ السلام كما خسروا حربَ الحرب. أيُّ لبنان وأيُّ دور وأيُّ مستقبلٍ سيَجنونَ والعالمُ يرى كيف يتخاطبونَ ويتخابطون؟ عودةٌ الى مفرداتِ حربٍ سُمَّيَت بحربِ الإلغاء في الثمانينات ما زالت تعسُّ وتستَعِرُ بعد ثلاثٍ وثلاثينَ سنة. قدرةٌ هائلةٌ على تأبيدِ الصراعِ التافهِ على السلطة ونقلِهِ حياً يُرزَق عبرَ ثلاثةِ أجيالٍ وإبقاءِ جذوتِهِ التدميريةِ على قوَّتِها. الذين أقفلوا نهر الكلب مساءَ أمس طلابُ باكالوريا. بالكاد أكملوا سن الرشد. رشدٌ عُمريٌ معطوفٌ على مراهقةٍ سياسية.
أيُّ نظامٍ في سوريا يهدّئُ خواطرَ لبنان؟ نظامُ إخوان مسلمين أم نظام بشار الأسد؟ نظام طالباني أم علماني؟ نظام خمير حُمر؟ الميلُ الأغلب هو الإعتقاد أن هذا النظام بالذات في سوريا هو الأفضل للبنان عموماً وللمسيحيين خصوصاً. التسوية كرّستهُ والحربُ رسَّختهُ والإنتخابات الرئاسية فرضته. مواجهةُ هذا المنطق بنكءِ جراحِ الماضي وبافتعالِ بطولاتِ شدّ عَصبٍ انتخابيٍ رخيصٍ ليسَ سوى تسخيف للواقع.
انفتاحُ المسيحيين السياسي على المتغيراتِ السريعة الآتية. دخولُهم الى لبنان جديدٍ على وشكِ أن يَرسمَ اعادة تكوينه من جديد. عقدُ مصالحاتٍ ذكيةٍ مع باقي المكونات السياسية في البلاد. الإستفادةُ من نظامِ الأسد كنتيجةٍ لاستقرارٍ طويلِ الأمد في المنطقة. الإسراعُ في كل ذلك وفوق كل ذلك رفضُ جمهورياتٍ ” نهر كلبية ” أُثبِتَ استحالتها بالدمِ والنارِ والهجرةِ والإحباط.رفْضُها جملةً وتفصيلًا هو ما يجبُ القيامُ به اليوم قبل الغد. اليومَ نعم ليبقى لنا غَد.