في الأيام القليلة الماضية، كُتِب الكثير عن “الانعكاسات” المُحتملة للعدوان الإسرائيلي على غزة على الواقع الداخليّ، ومدى إمكانية “تسلّله” إلى “الجبهة” اللبنانيّة، بصورة أو بأخرى، على وقع موجات التضامن التي شهدتها الحدود الجنوبية، فضلاً عن حوادث إطلاق الصواريخ المتكرّرة، والتي يسارع المعنيّون الأساسيّون إلى “التنصّل” منها.
وفي هذا السياق، بدا أنّ هناك “شبه إجماع” بين المراقبين والمحلّلين على “ثابتة” واحدة في مختلف القراءات، وهي أنّ سيناريو “الحرب” مُستبعَد، فالعمل حثيث على إغلاق “جبهة” غزة في أسرع وقت ممكن، لا على فتح “جبهات” جديدة، ولو ناقض ذلك المقولة الرائجة عن أنّ الحرب المقبلة ستكون الأخيرة، وستُفتح فيها كلّ الجبهات على مصراعَيْها.
إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ لا “رسائل وعِبَر” على اللبنانيّين أن يأخذوها من “تجربة” فلسطين، التي كانت قبل أيام “منغمسة” في سجالاتٍ داخليّة ضيّقة، تشبه كثيرًا تلك الرائجة لبنانيًا، في ظلّ الانقسام السياسيّ المتواصل، والانتخابات التي صُوّرت على أنّها ستكون “المَدخل” إلى المصالحة، فإذا بها تؤجَّل على حين غفلة، وإلى أجَل لا يبدو معلومًا.
بين لبنان وفلسطين
كثيرةٌ هي نقاط “الشبه” بين لبنان وفلسطين على المستوى السياسيّ، وإن كانت تجلياتها في غزة والضفة أكثر وضوحًا، في ظلّ واقع الاحتلال المسيطر على الوجدان والنفوس، وعلى وقع الحروب الإسرائيليّة الدامية التي تتكرّر بين الفينة والأخرى، ولو كان ذلك بأشكالٍ متنوّعة، فيما لا تزال الفصائل المتنوّعة والمتباينة تختلف على جنس الملائكة.
لعلّ “الفوضى” هي واحدة من النقاط المشتركة هذه، ففي فلسطين، لا وحدة بل انقسام مدمّر وقاتل منذ سنوات، تعجز الوساطات والمبادرات الكثيرة عن حلّه، أو على الأقلّ الحدّ منه، وقد اتّخذ شكلاً أخطر من الناحية الجغرافية، في ظلّ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، في مقابل حضور القيادة والحكومة، ممثَّلةً بحركة فتح في رام الله.
وباختلاف التفاصيل والشكل، يبدو لبنان واقعًا في “الدوامة” نفسها، فالفوضى هي السائدة، في ضوء “الفراغ” السياسيّ، الذي يخفق “الجمود” في تغطيته، فالانتخابات مؤجَّلة، والحكومة عاطلة عن العمل، بدعوى تصريف الأعمال، ولا حكومة أصيلة لتدير البلاد، في ظلّ إصرار البعض على المحاصصة، تحت شعارات ثلثٍ معطّلٍ من هنا، وحقوق الطائفة من هناك.
“حزب الله” جاهز ولكن!
لعلّ الصراع “الأزليّ” مع العدو الإسرائيلي هو الآخر من العناوين الثابتة المشتركة بين البلدين، وإسرائيل التي خبرها الوطنان في العديد من الحروب هي أكثر من يعرف “استغلال” الأوضاع السياسيّة المتردّية لتحقيق بعض المكاسب “المجانية”، والتي قد تكون “وهميّة” لا أكثر ولا أقلّ، علمًا بأنّ لبنان جاهر مرارًا وتكرارًا بأنّه سيكون آخر من يوقّع “السلام”، إن وقّع.
من هنا، يُطرَح السؤال الأكبر، ماذا لو “استُنسِخت” تجربة غزة في لبنان، ووقع المحظور؟ ماذا لو قرّر الإسرائيلي أن يستغلّ هذا التوقيت، غير المثاليّ بالمقاييس اللبنانية، ليشنّ حربًا، محسوبة أو غير محسوبة، على لبنان؟ هل يبدو الأخير جاهزًا لمثل هذا السيناريو، أو بالحدّ الأدنى “محصَّنًا”، علمًا أنّ استبعاد السيناريو لا يكفي لدحضه، لأنّ أحدًا لم يكن يتكهّن قبل أسبوع أنّ مواجهة ستندلع في غزة؟
يقول البعض إنّ “حزب الله” جاهز دومًا لهذا السيناريو، وهو يستعدّ للحرب منذ سنوات كما لو أنّها واقعة غدًا. قد يكون هذا الكلام دقيقًا ولا غبار عليه، لكنّ الحرب لا تقتصر على الجانب العسكري، كما يؤكّد الخبراء، وفي السياسة، لا نقاش في عدم الجاهزية، حتى أنّ لا حكومة موجودة أصلاً، حتى تشكّل “ظهيرًا” للحزب يتكئ عليه في معركته العسكرية، ويستند إليه لتحقيق “الانتصار” الذي يتوخّاه.
قد يقلّل البعض من أهمية الجانب السياسيّ في الحرب، باعتبار أنّ الميدان هو الحاكم الفعليّ، الذي يسطّر كلّ التفاصيل. لكنّ ذلك لا يعني أبدًا أنّ لبنان قادرٌ فعلاً، من دون الحدّ الأدنى من التوافق الوطنيّ، على خوض غمار أيّ حرب، بذريعة أنّ “الوحدة” تصبح تحصيلاً حاصلاً. لعلّ “رسائل وعِبَر” غزة ينبغي أن تترجَم بتشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، لكن هل من يتّعِظ أصلاً؟!
المصدر: لبنان 24