عزلة لبنان- الرسمي الدولية تشتد يوما بعد يوما، والبلاد تتحوّل تدريجيا دولة مارقة بعد ان اصبحت الطبقة الحاكمة فيها، مغضوبا عليها في العواصم الكبرى كلّها، الغربية منها والعربية، مرورا بالاوروبية. اسباب هذا الغضب عديدة، تبدأ بفساد المنظومة ولا تنتهي بتسببها بانهيار لبنان وتدمير شعبه وإفقاره، مرورا بدعم بعضها الارهاب وانخراطِه في عمليات تزعزع الاستقرار العالمي امنيا وماليا عبر غسل الاموال وتبييضها، في تجسيد واضح لتواطؤ المافيا والميليشيا، بحسب ما تقول مصادر دبلوماسية مطّلعة لـ”المركزية”.
امس، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على 7 لبنانيين على صلة بـ”حزب الله” ومصرفه “القرض الحسن”، هم: عزت يوسف أكار، ابراهيم علي ضاهر (مسؤول الوحدة المالية المركزية في حزب الله)، عباس حسن غريب، مصطفى حبيب حرب، حسن شحاده عثمان، وحيد محمود سبيتي، احمد محمد يزبك. الخزانة الأميركية صنّفت اللبنانيين السبعة المقربين من حزب الله بالإرهابيين العالميين، وقالت ” إن حزب الله يواصل إساءة استخدام النظام المالي اللبناني في وقت عصيب”. وتابعت “أعمال حزب الله تظهر عدم اكتراثه بالاستقرار المالي والشفافية والمساءلة في لبنان”… ويؤدي إدراج الخزانة الأميركية الأفراد والكيانات على لائحة العقوبات إلى عزلهم فعليا عن النظام المالي العالمي، وتجميد أي أصول لهم تحت الاختصاص القضائي الأميركي، وتحذير المؤسسات غير الأميركية من التعامل معهم.
بحسب المصادر فإن هذا السلوك الاميركي المتشدد- الذي دعّمه موقفٌ لوزير الخارجية انطوني بلينكن طالب بتوسيع حملة مطاردة الحزب،مدينا تأثيره على النظام المصرفي اللبناني – يؤكد ان ادارة الرئيس الجديد جو بايدن، خلافا لما روّج له محور الممانعة عند انتخابه، لن يكون اكثر تساهلا، لا مع ايران او فصائلها، ولا مع اي فريق او تنظيم او دولة، تتهدد الامن العالمي. وتاليا، فإن واشنطن ماضية في حزمها مع الحزب ولن تسكت عن ادائه في الداخل اللبناني لناحية الفساد واستباحته المرافق الشرعية وغير الشرعية، والعسكري في لبنان والمنطقة في آن، وستصر على ضرورة تطبيق القرارات الدولية التي تعنى به وبسلاحه من الـ1559 الى الـ1701، وليونة “البيت الابيض” حياله، والتي ظهرت نوعا ما في تعاطيه معه كمكوّن سياسي في البلاد في عملية تأليف الحكومة في الاشهر الماضية، يجب الا يُساء فهمها لبنانيا.
هذا اميركيا. اما عربيا، فالدول الاساسية لا سيما الخليجية منها، سحبت يدها من لبنان، وباتت شبه غائبة عن ازمة البلد الصغير وتقاطع طبقته السياسية، فيما السعودية ذهبت ابعد منذ اسابيع قليلة حين قررت اقفال ابوابها في وجه المنتجات الزراعية اللبنانية بعد ان استخدمت من قبل بعض الاطراف لنقل المخدرات الى اراضي المملكة، وقد اعتبرت الاخيرة، وإن لم تقلها في المباشر، ان الدولة ساكتة وتغض الطرف عن عمليات التهريب هذه.
اوروبيا، العقوبات على المسؤولين اللبنانيين وضعت ايضا على نار حامية. فبعد ان أكّدت باريس منذ اسبوع، فرض اجراءات ادارية على “شخصيات لبنانية لمنعها من دخول الاراضي الفرنسية”، مشيرة الى ان “تم بالفعل اتخاذ إجراءات على الصعيد الوطني بهدف منع دخول الأراضي الفرنسية للشخصيات اللبنانية المتورطة في العرقلة السياسية والفساد”، قالت الخارجية الفرنسية امس: الاتحاد الأوروبي يعمل على آلية تسمح بالضغط على مسؤولين لبنانيين يعيقون تشكيل الحكومة. في الموازاة، افيد اليوم ان بريطانيا تدرس ايضا فرض عقوبات على مسؤولين لبنانيين، كل ذلك في وقت اعرب وزير خارجية الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل الاثنين، عن استيائه إزاء المراوحة السياسية التي يشهدها لبنان، مشيرا الى البدء بالتحضير لفرض عقوبات على مسؤولين سياسيين يعتبرهم مسؤولين عن العرقلة. وأعلن بوريل إثر اجتماع لوزراء خارجية دول التكتل في بروكسل “نعمل على اتّباع سياسة العصا والجزرة. كل الخيارات مطروحة من أجل الضغط على الطبقة السياسية التي تحول دون الخروج من المأزق”.
لكن هذه الادانة الدولية الجامعة للمنظومة وسلوكها، وتقريعها من كل حدب وصوب، من الصعب ان يتمكنا من تغيير حرف واحد في مشاريع الطبقة الحاكمة اللبنانية “الجهنّمية”، لأن “فالج لا تعالج”، حتى انهما قد يساهمان في رفع منسوب تصلّبها، بينما الشعب المسكين يدفع الثمن من جيبه ولقمة عيشه ودوائه واعصابه، تختم المصادر.