ما كلن ينقص المشهد السياسي اللبناني أمس سوى المواجهة في الشارع، ولو حتى تحت عنوان قضائي، ليكتمل مشهد الانهيار في لبنان، على وقع غياب كامل للمسؤولية السياسية، وانقطاع تام لجميع خطوط الاتصالات الحكومية، فالجمود الكامل على الملف الحكومي هو المسيطر حتى ان الحديث عنه كاد يغيب بشكل تام ولا جولات أو اتصالات لهذه الغاية والوسطاء بالتالي اوقفوا محركاتهم.
ووصفت مصادر سياسية عملية تشكيل الحكومة الجديدة بالمتوقفة كليا في الوقت الحاضر وان الأمور تراوح مكانها وكل طرف على مواقفه، ولا توجد اي مؤشرات توحي باعادة تحريك عجلة تأليف الحكومة قريبا.واشارت المصادر إلى ان ما تذرع به رئيس الجمهورية أكثر من مرة بأن سبب تعثر عملية تشكيل الحكومة هو سفر الرئيس المكلف سعد الحريري إلى الخارج غير صحيح على الاطلاق، لانه عاد إلى لبنان ولم يحصل معه اي تواصل لاعادة التشاور حول عملية التشكيل التي توقفت عند اللائحة التي قدمها الرئيس المكلف إلى رئيس الجمهورية منذ أشهر وما زالت لديه ولم يصدر منه اي موقف برفضها قبولها استنادا للدستور، في حين ان كل ما يقال بأن سبب تأخير انجاز التشكيلة الحكومية وجود الرئيس المكلف بالخارج، انما هو للتهرب من مسؤولية الرئاسة الاولى وفريقها بتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة.
غادة عون الى المحاسبة
اذاً، تتّجه الأنظار اليوم إلى جلسة الاستماع للقاضية عون أمام مجلس القضاء الأعلى وما سيتخذه المجلس من قرار بعد الجلسة في حال عدم تمنعها عن الحضور، في وقت، تحذر مصادر قضائية من أنّ “السكوت عن الانقلاب الحاصل على القيم والنظم المرعية في هيكلية النظام القضائي وتراتبيته، سيترتب عليه تداعيات كارثية ستتأتى عنها بداية مسار انهيار المؤسسة القضائية وانفراط عقد مجلس القضاء الذي تنبع قوته من استقلاليته ووحدته”، مجددةً التشديد على أنّ “الأمور لم تعد مرهونة بقضية غادة عون فحسب بل أضحت تتصل بمسألة أهم وأعمق وهي وحدة الجسم القضائي التي أصبحت اليوم على المحك”.
ووفق المصادر المتابعة لـ”البناء” فإن القاضية عون ستحضر الاجتماع اليوم وستسبقه بتقديم دعاوى ضد مدّعي عام التمييز لإبطال قراراته، وسيكون على مجلس القضاء الأعلى الذي كان سيضع عون بين خياري الالتزام بقرار عويدات، والإحالة الى التفتيش القضائيّ، أن يختار بين إحالة عون التي سترفض الامتثال لقرار عويدات، أو إحالة ملف القضية بشقيها، ادعاء عويدات على عون وإدعاء عون على عويدات الى التفتيش القضائي، وفقاً لما سبق ودعت اليه وزيرة العدل ماري كلود نجم.
وأوضحت المصادر أنّ “التجييش السياسي والطائفي العوني تسبب في انقسام الآراء داخل مجلس القضاء بين رافض لاتخاذ أي تدبير زجري بحق تمرّد القاضية عون على قرارات رئيسها مدعي عام التمييز، مقابل الاكتفاء بالإجماع على أحقية القاضي عويدات بإعادة جدولة عمل النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان وحصر التحقيق بالجرائم المالية العامة بالقاضي سامر ليشع”، مشيرةً إلى أنّ “أياً من القضاة أعضاء المجلس لم يستطع أن ينازع في هذا الحق، ولا في وجوب إحالة الملف إلى التفتيش القضائي لإصدار توصياته بشأن أداء القاضية عون المخالف للأصول القضائية بعد رفضها الامتثال لقرارات مجلس القضاء الأعلى والنائب العام التمييزي، لكنّ التدخلات السياسية استطاعت أن تنفذ من بوابة “النصاب” المطلوب لاتخاذ القرارات بالتصويت داخل مجلس القضاء والذي يحتاج إلى أكثرية 8 أعضاء من أصل 10، الأمر الذي يستحيل تأمينه راهناً في ظل وجود 8 أعضاء فقط في المجلس، بعضهم محسوب على “التيار الوطني الحر” ويمانع في اتخاذ تدبير صارم بحق عون بموجب المادة 95 التي تنظر في عدم أهلية القاضي تمهيداً لعزله”.
وفي المقابل، سربت أوساط عونية أمس معلومات تفيد بأنّ “التيار الوطني الحر” ليس بصدد التراجع عن المعركة التي يخوضها ضد مجلس القضاء الأعلى، إنما سيدفع الأمور باتجاه مزيد من التصعيد والتحدي في مواجهة المدعي العام التمييزي من خلال إعداد العدة القانونية لخوض نزاع قضائي مع صلاحيات القاضي عويدات، عبر ادعاء ستقدمه القاضية عون ضده تتهمه فيه بتجاوز صلاحياته مع المطالبة بإبطال قرار تنحيتها وكف يدها عن متابعة الملفات المالية الهامة.
آلية متدرجة للعقوبات
وسط هذه الأجواء افادت “النهار” ان الاتحاد الأوروبي بدأ بدفع فرنسي وضع الأسس لآلية عقوبات خاصة بلبنان كإنذار متقدم للضغط في اتجاه تشكيل حكومة جديدة. وخلاصة مضمون الخيارات المطروحة امام وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي تحدد شروط تشكيل حكومة تنخرط مع صندوق النقد الدولي لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة باسرع وقت. اما في حال عدم تشكيل حكومة سيتم وضع العقوبات على مرحلتين اولا وضع نظام عقوبات خاص بلبنان وثانيا ادراج الاسماء المستهدفة والتي تعطل عملية التاليف على لائحة العقوبات.
وتامل مصادر ديبلوماسية في ان “يؤدي وضع نظام العقوبات دوره وان يتراجع السياسيون عن التعطيل” اي استجابة الطبقة السياسية للمطالب الدولية وتشكيل حكومة فاعلة قبل ادراج الاسماء لان هذه المرحلة ستؤدي الى نقاش داخل المجموعة الاوروبية مضمونه “في حال وضع عقوبات على شخصيات تعطل تشكيل الحكومة ستطالب دول اوروبية وضعت “حزب الله” بشقيه العسكري والمدني على لائحة الارهاب بتنفيذ عقوبات عليه.” واي قرار اوروبي يحتاج الى اجماع الدول داخل الاتحاد الاوروبي واي خلاف سيعطل المبادرة الفرنسية التي رمت كرة نار العقوبات في بروكسيل.”
وتشير المصادر الى “ان بعض الدول الاوروبية تقول عمليا ان الفترة الفاصلة عن الانتخابات النيابية المقبلة لم تعد بعيدة، فاذا تعذر تشكيل حكومة يمكن اعادة احياء الحكومة المستقيلة وتفعيل عملها بانتظار الانتخابات البرلمانية المقبلة لان البلد لم يعد بامكانه الاستمرار بدون حكومة وهو مهدد بالزوال.”
المصدر: لبنان 24