عادت قضية ترسيم الحدود البحرية في لبنان إلى الواجهة، لكن هذه المرة في الجهة الشمالية من الحدود، أي مع سوريا، إذ قامت الحكومة السورية في 9 آذار بتوقيع عقد مع شركة كابيتال الروسية يمتد إلى أربع سنوات، لتقوم بعملية المسح والتنقيب عن النفط. وتبين من خلال العقد الموقع بين الطرفين أن الحدود البحرية التي رسمها الجانب السوري وخاصة في البلوك رقم واحد مُتداخلة بشكل كبير مع البلوك رقم 1 والبلوك رقم 2 من الجانب اللبناني، بما يُقارب 750 كلم داخل الحدود اللبنانية.
فلماذا اثارة مسألة الخلاف البحري مع لبنان الان وهل للموقف السوري ارتباط بالتطورات السياسية والصراع بين النظام والخارج الرافض استمراره في الحكم، خاصة وان التنقيب يتمّ في منطقة متنازع؟ وهل ان المقاومة التي اعلنت انها تحمي ثروة لبنان النفطية في الجنوب ردا على التهديدات الاسرائيلية بقضم مساحات لبنان ووضع اليد على ثروته ستتخذ الموقف ذاته في الشمال مع سوريا؟
العميد الركن المتقاعد انطون مراد أكد لـ”المركزية” ان “المشكلة هي في سوء ادارة هذا الملف من قبل المسؤولين اللبنانيين، فالجانب السوري رسّم حدوده منذ العام 2003 وأودعها في الامم المتحدة، بينما لبنان لم يقم بأي خطوة في المقابل، ربما خوفاً أو مسايرة لأن السوري آنذاك كان لا يزال في لبنان، وهذا كان التقصير الاول من الجانب اللبناني. بعدها في العام 2009 رسم لبنان حدوده من طرف واحد، في حين كان من المفترض ان يبادر الى الاجتماع مع الجانب السوري والاتفاق على الترسيم خاصة ان لا عداء بين الطرفين. فكان هذا التقصير الثاني من قبل لبنان. ثم في عام 2011 عندما أودع لبنان إحداثياته لدى الامم المتحدة، احتجت سوريا عليه امام الامم المتحدة بموجب كتاب خطي ولم يحرّك لبنان ساكناً، وكان هذا التقصير الثالث “.
أضاف: “الآن وصلنا الى ما نحن عليه، وسوريا تسير قدماً، غير عابئة بالعلاقة الاخوية التي تجمع البلدين، او انها تعتبر لبنان ربما دولة فاشلة، فبدأت بالتلزيم دون الأخذ بالاعتبار لبنان، او الحدود التي اعلنها. علماً ان هذه الحدود لا تعني بالضرورة ان له الحق فيها كلياً، وهنا نتحدث عن الحدود التي أعلنها لبنان عام 2011 مع اسرائيل وقبرص في الوقت نفسه”.
وتابع مراد: “قامت سوريا مؤخرا بتلزيم التنقيب عن النفط والغاز لروسيا في 9 آذار بموجب قانون. في المقابل ما الذي حصل في لبنان؟ انقسم اللبنانيون الى فريقين، احدهما يشتكي على سوريا بأنها تقتطع او تخرق المياه اللبنانية، والثاني يضع الحق على لبنان ويربطها بموضوع اعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا، اي تم اقحامها في السياسة. وبالتالي بين الانقسام اللبناني وبين عدم الاحترام السوري للجيرة، ضاعت الحقوق”.
أما عن المسار الذي كان يجب ان تسلكه الامور، فقال: “كان يفترض على سوريا عام 2003 عندما رسمت حدودها، ان تدعو الجانب اللبناني، وكان بإمكانها آنذاك ان تفرض ما تريده بالتفاهم بما ان الجيش السوري كان متواجدا في لبنان وكانت لسوريا الكلمة الفصل في كل التفاصيل. لكن سوريا لا تحترم السلطة اللبنانية اساساً ولها الحق بذلك. امام هذا التخاذل اللبناني المربع، لا يمكننا الا ان نقول هنيئا للعدو الاسرائيلي والشقيق السوري بهكذا مسؤولين لبنانيين يقفون ضد بلدهم وشعبهم”.
وأوضح مراد “ان المشكلة مزمنة، وإثارتها اليوم أدت الى انقسام سياسي وليس التفافاً وطنيا لتحصيل الحقوق وبالتالي هذا الامر يؤدي الى خسارة حقوقنا، تماماً كما يحصل مع العدو الاسرائيلي في الجنوب”.
وعن الخطوات الممكن اتباعها اليوم يقول “ان يقوم وزير الخارجية اللبنانية بإرسال شكوى فورية الى الامم المتحدة، في ما لو استطاع ذلك. كما ان بإمكان حلفاء سوريا ان يتواصلوا مع السوريين ويخدموا بلدهم. فلتحترم سوريا على الاقل حلفاءها في لبنان. وبما ان حزب الله قدم تضحيات كبرى لمساعدة السوريين وهو من أنقذ النظام، فكان بإمكانه التدخل لتحصيل الحقوق اللبنانية. فإذا لم يتمكن اليوم من الحصول على نوع من ردّ الجميل من النظام السوري فمتى سيمكنه ذلك؟”
ختم مراد: “الجبن واللاوطنية اللذان يتحكمان بمسؤولينا اوصلانا الى ما نحن عليه. حتى الخلاف على توقيع مرسوم ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع العدو لم يتوحد لبنان حوله، فهنيئاً للعدو الاسرائيلي بسياسيي لبنان. فكيف بالاحرى الشقيق السوري؟”
تجدون مرفقا كتاب الاعتراض الذي قدمته سوريا الى الامم المتحدة عام 2011 حول ترسيم لبنان لحدوده البحرية الشمالية.