إشارةٌ واحدة مصدرُها واشنطن كانت كفيلة بزرعِ الخوف في نفوس المصارف، أو على نحوٍ آخر، كافية لخلق مجموعة تبريرات لهؤلاء من أجل زيادة رقعة زيت إجراءاتهم.
والمصارفُ تعيش على هاجس العقوبات الأميركية بحق حزب الله منذ أعوام، لا بل إنها وفي أحيان كثيرة تعاطت مع تلك العقوبات بملكية أكثر من الملك حين كانت تمضي في توسيع إجراءاتها بحق مكونات شعبية لم تكن مطلوبة منها أميركياً، وقد فسّر ذلك على أنه نوع من أنواع تسليف الادارة الاميركية باكراً أو أنه دفع أرصدة ثمناً لاقصائها على جداول العقوبات.
لكن الادارة الاميركية “ضاربها جوع عتيق”. لم تكتفِ من العقوبات بل تُطالب بالمزيد، وها هي اليوم تتجه إلى إبرام تشريعات عقابية تهدف إلى تفريغ البيئة المؤيدة لحزب الله من فروع المصارف كمقدمة لتدشين الجيل الثالث من العقوبات، أي عملياً زيادة رقعة الضغط والاستهدافات، التي تقول واشنطن إنه سيحمل قسوة بالغة سيما مع ملامسته القواعد الشعبية للحزب.
وللحقيقة أن بعض المصارف قد استبقت إقرار الاقتراح في مجلس النواب الاميركي وتحويله إلى قانون، على ما جرت العادة في المرة الاولى، وعلى ما يبدو، بدأت عملية تصفية وإغلاق فروع تابعة لها تحديداً في الضاحية الجنوبية لبيروت تحت ذرائع شتى.
وواشنطن لا بد أنها تعلم أن الإجراءات العقابية لا تصيب حزب الله على نحوٍ مباشر. سفيرتها الحالية في بيروت والسابقة وما قبل السابقة يدركن ذلك، ومعشر زوار عوكر يعلمون وقد سبق لهم وابلغوا السفيرة بحراجة موقفهم وبأن الضرر مردود عليهم لا على حزب الله، مع ذلك تمضي الادارة الاميركية في فرض العقوبات.
وعلى الاعم الاغلب، تريد واشنطن تقليب البيئات الشعبية اللبنانية على حزب الله، من خلال ممارسة الضغط الاقصى وتحويل تلك البيئات إلى صحراء قاحلة في مقابل شبه أريحية ستشهدها بيئة الحزب وهذا الأسلوب الماكر تعتقد واشنطن انه سينجح وسيعوضها عن إخفاق التأثير المباشر والكامل على الحزب من خلال العقوبات، وللحقيقة، بتنا نسمع كلاماً من مراجع سياسية لبنانية تشكو أحوالها بعض العقوبات وتقارن مع أحوال حزب الله.
منذ أكثر من شهر، تفاجأ المواطنون بإغلاق فرع مصرف BLC في منطقة الغبيري من دون إشعار مسبق. جاء ذلك بعض فترة قصيرة من تسريب خبر الاقتراح العقابي الأميركي الجديد وهو ما دفع إلى الربط بين تسريب الخبر وتوقيت الإغلاق، الذي جاء، وبحسب معلومات “ليبانون ديبايت” من دون إبلاغ زبائن الفرع أو بلدية الغبيري التي تقول مصادرها أنها “تفاجأت بالقرار ولم تكن موضوعة في صورته ابداً”، وهو ما دفعها فوراً إلى الاستفسار من قبل ادارة المصرف حول الاسباب الموجبة للاقفال.
مصادر في BLC ترفض كلياً في حديثها لـ”ليبانون ديبايت” ربط قرار الاغلاق باحتمال صدور عقوبات أميركية تمنح وجود فروع لمصارف في مناطق محددة، رغم أن المصادر ذاتها ألمحت إلى أنها “مجبرة على التقيد في حال حدوث ذلك تبعاً لارتباطها بالنظام المالي”، وتكشف أن الاسباب التي تقف خلف قرارات الاقفال “تقنية وداخلية بحت وذات صلة بإعادة هيكلة البنك” مشيرة إلى أن إدارة BLC اتخذت قراراً منذ مدة بـ”ترشيد عمل فروعها والشروع في عمليات إغلاق فروع محددة تبعاً لدراسة اجريت داخلياً ارتكزت على نشاط الفروع، وذلك بنية تقليص الخسائر سيما بعد الأزمات التي تجتاح البلاد”. وفي هذا السياق، علم “ليبانون ديبايت” أن BLC في معروض على الدمج لاحقاً مع أحد المصارف المعروفة.
بالتوازي مع ذلك، بدأت منذ مدة مجموعة مصارف أخرى على رأسها “عودة” و “فرنسبنك”، إعادة ترتيب وجودها داخل الضاحية الجنوبية. وتحت ذريعة الاستجابة لـ”كوفيد-19″، اتخذ “عودة” مثلاً خلال مرحلة التعبئة العامة الاخيرة قرارات شملت تقليص عدد الفروع العاملة ضمن نطاق الضاحية الجنوبية من دون إتخاذ قرارات بإغلاقها، وحصر النشاط المصرفي في فرعين كأقصى حد.
مصادر على إطلاع مصرفي، قلّلت من أهمية تبريرات المصارف، وقالت أنها تعمل على “الدوزنة” بين المتوجب عليها تجاه المطالب الاميركية تحت ذريعة الخشية من العقوبات، وبين ضرورات حضورها في المناطق، لذلك بدأت تتخذ قرارات عديدة بإقفال فروع تحت حجج “تقنية” لكنها في الأساس تصبّ في مصلحة التهديد الاميركي، وإذا صفّينا النية لقلنا أنها تود إرسال رسالة إيجابية إلى واشنطن عل ذلك يفيد في صرف النظر عن إبرام تشريع مماثل!
المصدر: ليبانون ديبات