عيد الفصح يأتي هذه السنة على لبنان في ظل دولرة أسعار السلع وارتفاعها بشكل اعتباطي، وبأرقام لا متناهية او منتظمة، وحتى غير ثابتة. فوزارة الاقتصاد غائبة، والإدارات والمؤسسات الرسمية في استراحة الى ما شاء الله، والفوضى منتشرة و»مستشرية» في كافة القطاعات الحياتية، بدءا من السلع الغذائية، مرورا بالخضر وقطاع الملبوسات، وصولا الى محلات بيع الحلويات. والجشع مفتوح على مصراعيه، اهمال يتبعه تغاض من قبل المسؤولين لأسباب منها مفهوم والآخر محسوب!
تراجع الدولار في اليومين الاخرين، لم يهز التجار، لا بل بعض السلع ارتفعت أسعارها مع اقتراب عيدي الفصح والفطر. فمثلا سعر علبة القشطة الصغيرة كانت 0.25 $ فأضحت بـ 0.60$، وإذا كان التسعير بالدولار يثبّت السعر، فكيف يتأرجح صعودا وبهذا التضخم؟!!
بالقطعة
بالموازاة، أظهرت مؤشرات أسعار الحلويات في لبنان ارتفاعا غير معقول، مواكبة مع سعر صرف الدولار. ورأت غراسيا وهي تعمل في متجر لبيع الحلويات «ان الحركة هذا العام خفيفة، مقارنة بالأعوام الماضية، خاصة ونحن على بعد أيام من عيد الفصح. فمن كان يشتري عدة أصناف وبالكيلوغرامات من بيض الشوكولا ومعمول العيد، أصبح يكتفي بتشكيلة مختصرة بحشوات متعددة، وبالقطعة من كل نوع. وأشارت غراسيا لـ «الديار» الى انه كان يأتي زبائن يشترون هدايا من الحلويات خاصة في هذا الموسم، اليوم هذه العملية لم نعد نراها الا نادرا».
معمول البيت «مش اوفر»
من العادات والتقاليد، ان تجتمع نساء العائلة الواحدة قبل أيام من العيد لتحضير عجينة المعمول وحشواته المتنوعة: معمول بالجوز والتمر والفستق الحلبي، الا ان غلاء أسعار المواد دفع بالسيدة نهاد، وهي ام لـ 4 أولاد، الى تقاسم النفقات مع عائلتها، وتقول لـ «الديار»: «أدمنت تحضير معمول العيد سنويا في المنزل، وفي السابق كنت اجهزه بمفردي واوزع منه لعائلتي وحتى جيراني، هذه السنة دفعنا مناصفة انا وشقيقاتي واشقائي ثمن الأدوات والمواد من طحين وزبدة وسميد خشن وسميد ناعم، وسكر خشن وسكر ناعم، وجوز وفستق حلبي الى جانب التمر وماء الزهر وماء الورد ومطيّبات، كون الموازنة لدى الجميع لا تحتمل ان يتكلف بها شخص بمفرده».
تابعت: «هذه العادة التي لها طابع ديني ما زلتُ اتمسك بها وأحب ان اواظب عليها، إضافة الى انها اضمن من ناحية الجودة والنظافة والمكونات، وعملها في المنزل يضفي جوا من البهجة والمودة بين افراد العائلة. مع العلم ان تجهيزها في المنزل لم يعد اقتصاديا الى جانب ما تحتاج اليه هذه العملية من استهلاك للغاز ايضا، الا انها بالنسبة للعائلات الكبيرة هي كذلك، كون هذه الحلوى هي الاحب الى قلوب الكبار والصغار وحتى الضيوف».
بالتوازي، وجد جورج ان شراء المعمول جاهزا سيوفر عليه الكثير من النفقات، وقال لـ «الديار»، «ان عملية تحضيره مكلفة وتفوق ميزانيتي، لذا قررت ان ابتاعه جاهزا، وسنستغني عن بيض الشوكولا بعدما وصل سعر الكيلو الى 30$، وأفضّل ان اشتري ثيابا لأولادي لأنه طقس من طقوس العيد ويرتبط بالفرحة التي يرسمها على وجوههم».
الأسعار بالدولار!
ومع الارتفاع الهستيري لسعر صرف الدولار في السوق السوداء، شهدت أسعار الحلويات وخاصة معمول العيد وبيض الشوكولا ارتفاعا كبيرا. وفي جولة على المحلات و»الباتيسريات»، أظهرت ان سعر المعمول (القالب او المد) المحشو بالفستق يتجاوز قدرة العديد من العائلات اللبنانية. وبين «حلويات الدويهي» «والرشيدي»، «السي سويت»، «حلويات البابا»، «حلويات الحلاب»، «O MIEL»، “L’abeilled’or”، التسعيرة مختلفة والأرقام متفاوتة، والاسعار خيالية أتت على الشكل الاتي: معمول تمر: 890 الفا، معمول جوز: 990 الفا، معمول فستق: 1,590000 الفا، معمول مشكل (1): 990 الفا، معمول مشكل (2): 1,190000 الفا.
اما في منطقة الزلقا فأسعار الحلويات في متجر معروف كانت على الشكل الاتي: كيلو معمول مشكل: 14$، كيلو معمول فستق: 17$، كيلو معمول جوز: 13$، كيلو معمول تمر: 11 $، كيلو بيض الشوكولا: 30$.
في سياق متصل، رصدت «الديار»، ان التسعيرة لدى كل متجر تتأثر بحسب المكان والمنطقة التي يوجد فيها محل الحلويات، فمثلا في أحد المحلات بلغ سعر كيلو المعمول الصغير بالفستق الحلبي: 27$، وفي متجر آخر كيلو المعمول المشكل بلغ 21$.
طقوس وتجهيزات
فرحة العيد عادة لا تكتمل الا بإدخال السرور الى قلوب الأطفال، واسعادهم بشراء الملابس والاحذية الجديدة، التي تعد أساسا بالنسبة لهم، باعتبارها مظهرا من مظاهر العيد. لكن هذا العام العيد ليس كغيره في لبنان، بحيث ان الكثير منهم لن يحصلوا على ابسط حقوقهم بسبب الضائقة المادية وعسر العائلات والغلاء الفاحش. وبعض العائلات لن تقدر على شراء الحلوى والهدايا والثياب للصغار.
السيدة ايمان خالد قررت شراء ثياب لطفليها من احدى البالات «ثياب أوروبية»، وقالت لـ «الديار»: «انا شديدة الحرص على تأمين الحد الأدنى من أجواء العيد لعائلتي، ومهمتي اسعادهم، لذا وجدت ان «ستوكات» الثياب الأوروبية التي تحمل ماركات عالمية حل ممتاز، وهي بديل أرخص عن ثياب الأسواق التجارية، التي تبيع بالدولار او بالعملة الوطنية بحسب سعر صرف الدولار في السوق الموازية».
وفي هذا السياق، قال وليد وهو صاحب محل لبيع الألبسة في فرن الشباك لـ «الديار»، «ان الحركة مقبولة الى حد ما، لكنها ليست بالزخم الذي كنا نعوّل عليه، كون حلّت المناسبات الدينية والاعياد المجيدة المشتركة بين كل الطوائف في هذه الفترة من السنة». وأردف: «الشراء يقتصر على الضروريات من احتياجات الأطفال»، لافتا الى «انه صحيح ان الأسعار انخفضت، ولكن القدرة الشرائية منعدمة لدى شرائح كبيرة من المجتمع اللبناني».
الكوارث المتوالية على اللبنانيين تنغّص عليهم فرحة العيد وجمعة الأحباء والاقارب، وتأخذهم الى أسلوب حياة متقشف، وتحرمهم من الطقوس التي نموا وكبروا عليها، ليس بسبب العملة الزرقاء ودولرة الأسعار فحسب، بل أيضا في ظل ترك الدولة مواطنيها لقدرهم وغياب من يحاسب او يراقب الفلتان ويعاقب المخالفين، وكأن لبنان دولة بلا قيود او قوانين يُحكم بشريعة الغاب.
المصدر: الديار