تبقى المساعدة الاجتماعية للاساتذة في التعليم الرسمي 5 دولارات في النهار حتى لو دُوّرت على أساس 90 دولاراً شهرياً. الزيادة الموعودة، المغلّفة بزجر وزير التربية وأمره بفتح صفوف المدارس الرسمية ابتداء من يوم أمس الخميس، لم تلقَ آذاناً صاغية عند المعلمين. فاستمروا باضرابهم المفتوح، وصعدوا تحركاتهم أمام وزارة التربية في بيروت والمناطق.
وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، كشف أن «اليونيسف» أمّنت مبلغاً يصل إلى حدود 90 دولاراً شهرياً. تبدأ مفاعيله من تاريخ العودة إلى الصفوف. ويضاف إليه بدل مقطوع بقيمة 100 دولار عن المرحلة التي تم إنجازها عن فترة ما قبل عطلة رأس السنة. على أن يتم دفع ذلك استناداً إلى عملية التدقيق التي تشمل الحضور والإنتاجية.
تآكل الرواتب
يبلغ متوسط راتب الاستاذ الثانوي في التعليم الرسمي، مضافاً اليه زيادة ضعفي بدل الأساس، حوالى 9 ملايين ليرة. هذه القيمة تتآكل يوماً بعد آخر مع ارتفاع سعر صرف الدولار. وقد كانت قيمتها تعادل 225 دولاراً في نهاية العام الماضي على سعر 40 ألف ليرة للدولار، وأصبحت اليوم توازي 150 دولاراً على سعر صرف 60 ألف ليرة. وإذا قسمنا المبلغ بالليرة على عدد أيام الشهر تصبح يومية الأستاذ 300 ألف ليرة، «لا تكفي المعلم/ة ثمن وجبة طعام»، تقول أستاذة التعليم الثانوي الناشطة رنا فليحان. هذا من دون ذكر كلفة الانتقال ذهاباً وإياباً إلى المدرسة، واحتساب بقية مصاريف الحياة الشهرية واليومية التي لا تقل عن 30 مليون ليرة بالنسبة إلى أسرة مؤلفة من 5 أشخاص. وأمام هذا الواقع «لا رجعة إلى المدارس»، تؤكد فليحان. «أما بالنسبة إلى المساعدة الاجتماعية بالدولار، فلا قيمة فعلية لها. وما هي في الحقيقة إلا الـ 5 دولارات يومياً التي رفضناها سابقاً وسنرفضها حاضراً ومستقبلاً. وإذا ما أضفنا على هذه المنحة المبلغ المقطوع بقيمة 100 دولار عن الأشهر الثلاثة الأولى من العام الدراسي الحالي 2022 – 2023 فان إجمالي قيمتها تنخفض إلى 33 دولاراً بالشهر، إذا ما قسم على عدد أشهر السنة. وبالتالي فان هذا المبلغ ما هو إلا استغباء للأساتذة، ولا يساوي في الواقع شيئاً أمام الأكلاف المعيشية التي ترتفع باضطراد يوماً بعد آخر مع الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار».
-الوضع المعيشي السيئ، وحّد موقف أساتذة الملاك والمتعاقدين والمستعان بهم. خصوصاً أن «كل ما نتقاضاه كمستعان بهم لا يكفي أجرة الوصول إلى المدرسة»، بحسب الاستاذة المستعان بها في الثانوي أمل مكارم. فـ»حتى مع 30 ساعة تعليم أسبوعياً التي تعتبر الحد الأقصى المتاح، وبأجر 180 ألف ليرة على الحصة، فان كلفة النقل تشكل 50 في المئة من مجمل الأجر. كما يخسر الأجر الذي يدفع سنوياً وليس شهرياً الــ 50 في المئة الأخرى نتيجة انهيار سعر الصرف».
الحل المرتجى
إذاً ما المطلوب لاستئناف العام الدراسي؟ تجيب فليحان أن هناك مطلبان منطقيان فقط لا غير، وهما:
– احتساب رواتب المعلمين على أساس سعر صرف 15 ألف ليرة للدولار على منصة صيرفة بدلاً من السعر المعتمد والمحدد بـ 38 ألف ليرة. وعلى هذا الأساس يصبح الراتب المحدد بـ 9 ملايين ليرة يساوى حوالى 600 دولار.
– تأمين التغطية الاستشفائية الكاملة من قبل تعاونية موظفي الدولة، وليس من أي جهة أخرى كما يحاول المسؤولون أن يسوقوا. فالأساتذة يمرضون ويموتون على فراشهم من دون القدرة على الدخول إلى المستشفي وتأمين الأدوية اللازمة.
عين «التعاونية» بصيرة ويدها قصيرة
-مطالب الأساتذة المحقة من الناحية النظرية، تبدو على أرض الواقع مستحيلة. فموازنة تعاونية موظفي الدولة المخصصة للإستشفاء ما زالت محدودة جداً وهي تبلغ 500 مليار ليرة. ويبدو في ظل هذه الظروف من شبه المستحيل زيادتها للتماشى مع ارتفاع سعر صرف الدولار. و»لو كان القرار بيدنا لكنا وفرنا التغطية الشاملة من دون تردد»، يقول مدير عام تعاونية موظفي الدولة د. يحيى خميس. «إنما كل الذي استطعنا تحقيقه لغاية اليوم هو رفع التغطية الاستشفائية 10 مرات. مع علمنا أن هذا المبلغ أصبح ضئيلاً جداً في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار وبالتالي التعرفات بحدود 40 مرة».
تموّل موازنة تعاونية موظفي الدولة من مصدرين أساسيين:
– الأول، اشتراكات المنتسبين بمعدل 3 في المئة من رواتبهم. وهو لم يعد يشكل رقماً وازناً مع انحسار سعر الليرة.
– الثاني، مساهمة الدولة التي تشكل القيمة الأكبر من الموازنة.
وعليه يقول يحيى خميس أن رفع قيمة التقديمات ليست متعلقة بالتعاونية، إنما بالدولة. فعندما تزيد الدولة حصتها ترتفع التقديمات تلقائياً.
التخصيص يقود إلى الهلاك
من الجانب النقدي المتعلق بتحويل الرواتب إلى الدولار على أساس سعر 15 ألف ليرة، فان الأمور لا تقل تعقيداً. فـ»لا يمكن تخصيص فئة وظيفية معينة بمعاملة استثنائية، رغم أحقية مطالبها، على حساب بقية الفئات من الموظفين»، يقول الخبير الاقتصادي عدنان رمّال. «لأن من شأن هذا التخصيص تعطيل بقية المرافق العامة، تبعاً لمبدأ المعاملة بالمثل. وبذلك نكون أوقعنا الإقتصاد مرة جديدة بمطبات شبيهة بمطب سلسلة الرتب والرواتب التي أعطيت نهاية العام 2017، والتي بدأت بالمطالبة بزيادة رواتب الأساتذة، وانتهت إلى زيادة كل رواتب القطاع العام بكلفة غير مقدرة بشكل دقيق. والتي سرعت بانفجار الأزمة».
أما السبب الثاني الذي يحول دون إمكانية اعطاء الرواتب في هذه الظروف على أساس سعر صرف 15 ألف ليرة للدولار، فهو «محدودية قدرة الدولة على الإنفاق»، يتابع رمّال. فـ»زيادة الإنفاق على القطاع العام، من خلال طباعة الأموال، تؤدي إلى فقدان السيطرة على الدولار في السوق السوداء. نتيجة تضخم الكتلة النقدية، والعودة إلى تشجيع الاستهلاك والاستيراد».
من الناحية النقدية فان «احتساب الرواتب على أساس 15 ألف ليرة لصيرفة، يحتم على المركزي طباعة المزيد من الليرات من جهة واعادة شراء الدولار من الأسواق من جهة ثانية بكلفة مرتفعة من أجل تمويل العملية»، بحسب الخبير الاقتصادي جان طويلة. «الأمر الذي يفاقم المشكلة ونكون نأخذ في اليمين ما نعطيه في الشمال مهما بلغت قيمة هذه الزيادات. فالتضخم سرعان ما يمتصها ويصبح من المستحيل الخروج من هذه الحلقة المفرغة».
نحن أمام انهيار كامل وفقدان العملة الوطنية كامل قيمتها. والحل لا يكون ترقيعياً إنما باعداد خطة طوارئ اقتصادية معيشية اجتماعية تنطبق على كافة المواطنين ومن ضمنهم موظفو القطاع العام.
المستعان بهم
المستعان بهم في التعليم، فئة جديدة من الموظفين تم ابتداعها بصيغة غريبة. وقد دخلوا إلى قطاع التعليم كمتعاقدين. ولكن بعد سنتين فُسخت عقودهم وحولوا إلى مستعان بهم. وهم لا يتمتعون بأي نوع من أنواع الضمانات الوظيفية. فلا عقد يحميهم ولا موازنة مخصصة لهم من وزارة التربية، ولا ينالون عند نهاية الخدمة أي تقاعد على غرار المتقاعدين، الذين يحصلون على تعويض يمثل أجر ساعة عن كل 12 ساعة تعليم، ولا يمكنهم طلب شهادة خبرة.
المصدر : نداء الوطن