“جدول أسعار الأدوية”، هذا المصطلح الجديد دخل عنوة في حياة المريض اللبناني الذي يجب عليه أن يعيش في جدول تقلباته، مكرهاً ويائساً، حتى يتمكن من شراء أدويته المقطوعة أو المحجوبة عنه بذريعة تحليق الدولار المتواصل.
ما يجري في القطاع الدوائي استغلال وقح لجيوب المرضى، لن تساعد كل التبريرات والأسباب في التخفيف من وقع هذه الجريمة. برأي وزير الصحة فراس الأبيض في حديث سابق، إن “مؤشر أسعار الأدوية الذي صدر عن وزارة الصحة العامة سوف يجري تحديثه أسبوعياً بغضّ النظر عن سعر الصرف، لأن ذلك سيشجع المستوردين على تسليم الأدوية والصيادلة على بيعها وعدم تخزينها”.
ولكن الخوف أن يصبح هذا الجدول كحال جدول أسعار المحروقات، حيث نشهد على اصدار جدولين لأسعار المحروقات والسبب الأساسي تغيّر سعر صرف الدولار. هامش الربح يفوق كل شيء في هذا البلد المنكوب بأزماته، وكل القطاعات “ركبت الموجة”.
الابتزاز واضح، يرفض مستوردو الأدوية تسليم الكميات المطلوبة إلى الصيدليات قبل تحديث جدول أسعار الأدوية، فيما ترفض الصيدليات أن تبقى مفتوحة من دون أن تتسلم طلبياتها، والضحية المواطن الذي لا يجد دواءه. المشكلة تكمن في تسعير الأدوية وفق مؤشر كانت تصدره وزارة الصحة أسبوعياً استناداً إلى سعر صرف الدولار، وأي تأخير في إصدار الجدول يدفع بالتجار وموزعي الأدوية إلى احتكار الدواء والامتناع عن تسليمه في ظل الارتفاع المستمر لسعر صرف الدولار.
وتفيد المصادر أن الصيدلي لن يبيع المخزون من دون أن تكون لديه القدرة الشرائية على استيراد كمية جديدة، لذلك هو بحاجة إلى بيع الأدوية على السعر الجديد حتى لا يتكبّد الخسارة ويصبح عاجزاً عن تحمّل الفروقات في المستقبل وبالتالي غياب السيولة لاستمرار شراء الأدوية.
أمس، قررت نقابة الصيادلة رفع الصوت من جديد معلنة عن إضراب تحذيري بإقفال الصيدليات اليوم من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثانية عشرة ظهراً، كخطوة رمزية تحذيرية، على أن تليها خطوات أخرى، ما لم يتخذ المعنيون خطوات منصفة تؤمّن استمرارية هذا القطاع الصحي الأساسي لخدمة المرضى وتحمي المريض والصيدلي.
هي ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها نقابة الصيادلة إلى التوقف عن العمل وإقفال أبواب الصيدليات كوسيلة ضغط لتحقيق مطالبها. في تموز 2021 أعلنت الصيدليات عن إضراب مفتوح نتيجة انقطاع الأدوية وعدم تسليمها إلى الصيدليات إلا بالقطارة.
ندور في الحلقة نفسها، سياسة الضغط يُقابلها شحّ مخيف، والبديل لا يعوّل عليه خصوصاً من ناحية مأمونيته لأن الأدوية الموجودة خارج الصيدليات مزورة وليست دائماً مطابقة للمواصفات.
المشهد اليوم يُختصر بمخزون متدنٍّ للأدوية في معظم الصيدليات، وفي هذا الصدد، يؤكد نقيب الصيادلة جو سلوم لـ”النهار” أنّ ” هذا التحرك التحذيري للدفاع عمّا بقي من هذا القطاع ولا يمكن الاستمرار في خدمة المرضى من دون تسليم الأدوية المطلوبة للصيدليات. لدينا مسؤولية في ضمان ومراقبة الأدوية خوفاً من البحث عن دواء بديل غالباً ما يكون مزوّراً أو غير مطابق للمواصفات المطلوبة”.
يصرّ سلوم على توجيه الحديث إلى نقطة واحدة تفسّر هذا التحذير الجزئي لإيصال الصوت، ويرفض الدخول في تفاصيل الأرقام واستيراد الأدوية وهامش الربح عند مستوردي الأدوية الذين يضغطون على الصيادلة بالامتناع عن تسليم أدويتهم. يقول “لا أريد الحديث عن هذا الموضوع، ما يهمّنا اليوم هو التركيز على تأمين الدواء ومحاربة الأدوية المزوّرة والصيدليات غير الشرعية التي باتت موجودة في مناطق عديدة والتي تهدّد صحّة المواطنين”.
برأي سلوم إننا “بحاجة إلى خطط وحلول جذرية لكل القطاع الدوائي في لبنان ودعم مباشر للمريض وليس للسلع، على المعنيين العمل لتأمين استمرارية هذا القطاع الصحّي الأساسي لخدمة المرضى وحماية المريض قبل الصيدلي نفسه”.
وكشف نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة لـ”النهار” أن وزير الصحة “أعرب عن استعداده لإصدار مؤشر يوميّ للأدوية إذا لزم الأمر بهدف تأمين حاجة المرض وحماية المؤسسات الصيدلانية من الانهيار”.
وبرأي جبارة إن “التقلبات في السوق النقدي غير مسبوقة، فعلى سبيل المثال نهار الاثنين كان الدولار يوازي 50 ألف ليرة لبنانية، نهار الأربعاء بات الدولار الواحد يوازي 55 ألف ليرة واليوم وصل إلى 59 ألف ليرة. هذه التقلبات السريعة لا تُحاكي جدول التسعيرة الأسبوعية للوزارة وربما قد يكون الحل في إصدار جدول تسعير يومي كما هي الحال مع المحروقات”.
وأشار إلى أننا “كمستوردين لم تكن لدينا مشكلة مع الجدول الأسبوعي للتسعيرة ولكن منذ أيام نشهد تقلبات سريعة وارتفاعاً متواصلاً للدولار. ومع ذلك نناشد كل الموزعين الاستمرار في تأمين الحد الأدنى من احتياجات السوق للوصول إلى وضع نقدي مستقر”.
المصدر : النهار