زحمة سير في كلّ مكان، لبنانيون ومغتربون في كل مكان يتسوّقون وكأنّ البلاد بألف خير. في مكان آخر لبنانيون أيضاً يشعلون النار للتدفئة والطبخ على الحطب، لا يملكون ثمن قارورة غاز ولا ثمن حبّة دواء.
هو لبنان أو بالأحرى لبنانان اثنان؟ الأوّل يعيش على أموال المغتربين التي ترسل الدولارات الطازجة، وقد تجاوز المبلغ الرسمي 6.8 مليارات دولار هذا العام، واذا أضفنا الأرقام غير الرسمية نصل الى10 مليارات دولار ما يشكّل 40% من حجم الاقتصاد الذي أصبح نقدياً ومدولراً بنسبة تجاوزت 90%!
اذا أخذنا آخر ميزانية لمصرف لبنان نجد أن الليرة في التداول تجاوزت الـ 74 تريليون ليرة، وقد أضاف البنك المركزي 2.4 تريليون في أوّل 15 يوماً من كانون الأول. وهو يعمل بمعادلة إبقاء ليرات في التداول بما يعادل 2 مليار دولار.
مهمّة المصرف المركزي الاولى الحفاظ على استقرار سعر الصرف وهذا ما لم يحصل. فمنذ بداية الأزمة، بدل أن يقوم بإجراءات لحماية الليرة وتنظيم السحوبات من المصارف، اخترع التعميم تلو الآخر لخلق عدة أسعار صرف محمّلاً المودعين أغلبية الخسائر. وأعطى المصارف 9 مليارات دولار من احتياطياته ليدفعوا للنافذين والسياسيين، وهو بذلك اشترى ولاءهم ليقوموا بحمايته.
أفظع تعميم رقمه 161، يبيع بموجبه مصرف لبنان الدولارات بسعر مدعوم وهو يشتري هذه الدولارات من السوق بسعر أعلى بـ 30%. هذه الخسائر يراكمها في ميزانيته تحت بند أصول أخرى، وقد بلغ هذا الرقم 141 تريليون ليرة أو ما يعادل 93 مليار دولار، وهي خسائر سنضطرّ جميعاً كمودعين وشعب لتحمّلها عدّة سنوات قادمة. في آخر التطورات، وعد الحاكم المودعين برفع سعر الدولار المصرفي (الوهمي) في الأوّل من شباط، وها هو الدولار الحقيقي قد يرتفع الى رقم سيتخطى 60 ألف ليرة اذا وصلنا الى الاول من شباط وقام فعلاً بدفع الودائع على سعر 15 ألف ليرة.
انه يعمل بمعادلة شراء الوقت ولو على حساب تكبير الخسائر وحجم الفجوة في الودائع، على قاعدة: «وليهتمّ بهذه المشاكل من يأتي من بعدي!».
كل هذا يحصل في ظلّ تقاعس الطبقة السياسية وعجزها عن اقرار قوانين تحمي المودعين وتحاسب كلّ من هدر وسبّب هذه الأزمة او تلزم من هرّب أموالاً بعد الثورة على إعادتها. إنه لبنان بلد اللّامحاسبة.
المصدر : نداء الوطن