كل ليلة يتكرر المشهد. حوالى التاسعة والنصف، دقائق بعد انتهاء حلقة «تفاح الحرام»، تبدأ سمفونية الشخير من غرفة نوم عدلي. سمية، زوجته، تنام ملء جفونها عن شواردها. ما إن يطمئن عدلي إلى غرق حرمه في لجة النوم، يتحرر من البيجاما و»روب» السهرة والـ»بانتوفل» والـ»قلّوسة» ويرتدي ثياب النهار. يتناول معطفه الكشميرعن المشجب. يلف رقبته بشال عالي الجودة. يرش رشة ونصف الرشة من عطر يناسب عمره. يعتمر قبعة بورسالينو فيبدو نسخة طبق الأصل عن السير ونستون تشرشل. يخرج من البيت على مهل. يغيب ما بين ثلاثة أرباع الساعة والساعة ويعود إلى البيت كاللص الظريف، يخلع ثياب السهرة، يعود إلى زي النوم وإلى قواعده سالماً.
ذات يوم لعب الفار في صدر سميّة الرحب. أيقظها في اللحظة التي كان فيها عدلي يهمّ بمغادرة البناية تاركاً خلفه نسمة عطر. تصرّفت بحكمة. بقيت في سريرها تفكر بخطة جهنمية. عاد فالانتينو من سهرته. إندس في فراش الزوجية كأن شيئاً لم يكن. قررت الإيقاع به. حبكت الخطة. إتفقت مع جارتها جانيت على التحرك بسرعة وفعالية. ذات ليلة ماطرة ما إن انطلق عدلي في «غزوته « المشبوهة، حتى كانت سيدتان تتعقبانه بقميصي نوم سميكين. جانيت ومعها الرقيب سمية. محصلة الرصد والتتبع أظهرت أن المدعو عدلي على علاقة حميمة مع 3 صرافين…آليين. وأنه مدجج بالبطاقات المصرفية ويعمل، كما نصف اللبنانيين، كموظف ليلي في تعاونية صيرفة.
بعد انكشاف السرّ، عادت سمية إلى شخيرها المطمئنّ، وتركت حبل عدلي على غاربه.
أما بعد.
راقبتُ منذ فترة، أكواماً من المواطنين، أمام ماكنات الصرافة الآلية، للإفادة من تقديمات صيرفة السخية. تحرروا من قيود الوظيفة واشتغلوا على حسابهم. يبيع الواحد منهم مائة دولار على سعر42 ألفاً أو أكثر. يتوجه إلى مصرفه الواقف معه في الضرّاء قبل السرّاء. يأخذ دوره على الرصيف. تمرّ ساعة. تمرّ ساعتان يصل إلى الـ ATM يلقمه على مهل أوراق المائة ألف. أكثر من عشر أوراق تغص الماكنة وتبصق الوجبة. أحيانا يستغرق إيداع الثلاثة ملايين يومين. لأن الـ ATM يتصرف أحياناً بنزق فقد يعلن فجأة: خلص ما بقا آخد اليوم ولا ليرة. إن وُفقت في إيداع ثلاثة ملايين و»نكزة» بعد جهد ومثابرة، تقف نصف نهار لتسحب المائة دولار وتهرول مجدداً عند الصراف البشري لتبيعها على سعر السوق الموازية فتربح ما يقارب المليون ليرة.
ليلة الجمعة، كنت واقفاً لوحدي أشتم الصراف الآلي لرفضه تقبل مالي الحلال. ما إن هممت بالمغادرة شاهدتُ جاري عدلي مقبلاً وحاملاً مبخرة. بخّر الـ ATM. أكرمه. تقبّل منه «كدسة» لبناني وأعطاه مائتي دولار!
دسّ المال بجيبه. وسألني مجاملاً «بعدك جارنا عم تكتب؟» أجبت: «أكتب كهواية، لكنني مثلك أشتغل صيرفة خمسة أيام في الأسبوع. الـ»صيرفة» مش عيب أليس كذلك؟».
المصدر : المدن