قد يكون موقف “القوات اللبنانية”، بعدم تسمية أحد لرئاسة الحكومة، فاجأ الكثيرين، إلاّ أن القارئ للسياسة التي تنتهجها “القوات” لم يتفاجأ بهذا الموقف، بل كان على يقين من ذلك.
أمّا لماذا لم يكن القرار مفاجئاً، فتؤكد مصادر متابعة لهذا الملف، أن هناك عدة اعتبارات يمكن البناء عليها:
– “القوات اللبنانية” التي تباهت بالنتائج التي حقّقتها في الإنتخابات النيابية، حيث حصدت وحدها 19 نائباً، تلقّت الصفعة الأولى بعدها، في انتخابات أمين سر المجلس النيابي بعد تفوّق النائب العوني آلان عون، على مرشّحها زياد حواط، إضافة إلى انتخاب الياس بو صعب “العوني” أيضاً نائباً لرئيس المجلس النيابي في وجه غسان سكاف، الذي زكّته “القوات” والمعارضة، وهي لا تريد تكرار التجربة وتسمية نوّاف سلام، مع علمها المسبق أن معركتها خاسرة في ظلّ التشتّت والتنوّع النيابي المعارض.
– لم تقطع “القوات” الإتصالات مع الرئيس نجيب ميقاتي، بل هناك معلومات عن تنسيقٍ مسبق بينهما لهذه التخريجة التي لا تُحرج “القوات” بتسميته، وبالتالي، تحرّره من الشروط العونية لتسميته.
ـ ضمنت “القوات” بهذا الموقف عدم استجابة ميقاتي لشروط “التيّار العوني” حول الحقائب التي يريدها، ولم يعد ملزماً برغبات رئيس “التيّار” جبران باسيل، الذي لم يعد أمامه سوى اعتماد أسلوبي ضغط، إمّا من خلال التفاوض بإسم حصّة الرئيس، وإمّا من خلال التلويح بعدم توقيع رئيس الجمهورية لمراسيم التشكيل.
وبذلك، تكون “القوات” قد ربحت جولةً من دون أن تخوض المعركة، بل بقيت في مقاعد المتفرّجين الذين يراهنون على الفريق الرابح في هذا الملف.
وتكشف المصادر، أن “اللقاء الديمقراطي”، الذي كان ينسّق مع “القوات” على أساس الذهاب بإسم واحد إلى الإستشارات، لم يقع في أي فخّ، كما يحلو للبعض أن يستنتجه، فهو درس بعمق تداعيات تسمية نجيب ميقاتي، ولا يريد حمل هذا الوزر ويحاول مقاربة التغييريين بطرحٍ من خارج المنظومة، دون أن يُسقط من يده ورقة الرئيس ميقاتي، حيث تستمر العلاقات من تحت الطاولة والتنسيق في حال كُتب للحكومة أن تتشكل.
أمّا “اللقاء الديمقراطي”، فقد استبق “مباحثات التشكيل”، بإعلانه عدم المشاركة في الحكومة لأسبابٍ يمكن اختصارها بالآتي:
– الإيحاء بإمكان تشكيل حكومة تكنوقراط ما دام عدد من الأحزاب نأى بنفسه عن المشاركة فيها.
– حصّة الإشتراكي من دون أن يسمّي ميقاتي، ستحفظ الميثاقية للحكومة، وبالطبع لن يخاطر ميقاتي باستعداء جنبلاط وتسمية وزراء من خارج فلك الإشتراكي.
– في حال دخول الحكومة في مفاوضات مع صندوق النقد وإتخاذ اجراءات مؤلمة لن يكون عندها الإشتراكي متّهماً بالتآمر على الشعب.
– العمر القصير للحكومة في حال حصل ضغط دولي لانتخاب رئيسٍ للجمهورية، ولم تصل إلى مرحلة تولّي مهام إدارة شؤون الرئاسة، لا يشجّعه على المشاركة لأن المخاطرة “مش محرزة”.
إذاً وبعد موقف “القوات”، أصبحت الطريق معبّدة أمام ميقاتي ليكون الرئيس المكلّف اليوم، كما أن محاذير التشكيل تتضاءل مع انخفاض الضغط العوني على الرئيس المكلّف، الذي لم يساهم بتسميته، والبيان الوزاري في حال التشكيل لن يكون عقبةً، بل سيكون استنساخاً للبيانات السابقة.
أمّا في حال عدم القدرة على التشكيل، فإن كلّ الإعتبارات التي وضعها الحزبان في حساباتهما ستسقط، لأن حكومة تصريف الأعمال، والمحسوبة على “الثنائي الشيعي” و”التيار الوطني الحر” ستصبح قابضة على كل السلطات.
ch23