كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”:
مع تراجع زخم ثورة 17 تشرين الأول 2019، وتحول ساحة عبد الحميد كرامي التي ظلت مقفلة لأكثر من ستة أشهر الى مرتع للعديد من الاشكالات وتصفية الحسابات والممارسات البعيدة عن عادات وتقاليد وأخلاق طرابلس، تجمّعت مجموعة ممن إدعوا آنذاك أنهم ثوار أمام مالية طرابلس ونصبوا خيمة أمامها وأغلقوا مدخلها وإستمر ذلك لأكثر من 50 يوما.
هذه الممارسات الغوغائية أدت الى إنتقال أكثرية أعمال مالية طرابلس الى دوائر المالية في الأقضية خصوصا في دائرة الكورة التي شهدت نشاطا غير مسبوق، ما أوحى بتوجه للتخلي عن مالية طرابلس، لولا الضغط الذي حصل وأدى الى فك الاعتصام وعودة الأمور الى نصابها في هذه الدائرة الحيوية.
بالتزامن، شهدت المدينة غزوات من أشخاص مشبوهين ملثمين أحرقوا بلديتها ومحكمتها الشرعية وأبواب السراي الحكومي فيها، ومصارفها وإعتدوا على كثير من مؤسساتها، ما أعطى إنطباعا بأن ثمة محاولة لافراغ طرابلس من كل مؤسساتها الرسمية والخاصة، بهدف تصحيرها وتحويلها الى مساحة لتصفية الصراعات السياسية في لبنان.
بالتزامن أيضا، كانت مجموعات “غب الطلب” تم إكتشاف توجهاتها وأهدافها في ما بعد، تحرص يوميا على التظاهر أمام منازل ومكاتب نواب طرابلس وإفتعال الاشكالات والتوترات وإطلاق الشتائم ورمي النفايات بهدف الاستدراج الى فتنة.. وكأن هناك خطة محكمة لاضعاف نواب المدينة، علما أنه في ذاك التوقيت بالذات لم يشهد أي من منازل النواب في لبنان أي تحرك، ما ترك تساؤلات عدة أبرزها، ألا يوجد نواب إلا في طرابلس؟ أم أن هذه المجموعات تنفذ مشروعا يرمي الى إبعاد نوابها عنها من أجل إستفرادها ضمن المؤامرة التي تحاك ضدها.
لم ينته الأمر عند هذا الحد، بل عمد المأجورون الى عزل طرابلس بقطع الطرقات المؤدية إليها لأيام عدة، فبدت المدينة محاصرة خارجيا ومستباحة داخليا.
وصلت طرابلس الى الحكم عبر رئاسة الحكومة التي تولاها إبنها الرئيس نجيب ميقاتي الذي وافق على أن يحمل كرة النار اللبنانية ذات ألسنة اللهب الممتدة الى كل المناطق، فبدأ التركيز على إستهدافه والافتراء عليه بشتى الطرق، لتسهيل مهمة المتآمرين في التحكم بها من خلال صندوق البريد الذي حاولوا إحياءه تارة بالاشكالات المسلحة وتارة أخرى بالظهور المسلح العلني وإطلاق النار في الهواء، وإستمر هذا المسلسل الذي تنطح، الى بطولة حلقة منه، واحد من أكثر السياسيين إنتهازية في المواقف وإقتناص الفرص، حيث أساء من خلال الترويج لحملته الانتخابية الى مقام رئاسة الحكومة والى طرابلس بشكل مخزِ…
كذلك، وصل الأمر ببعض الموتورين الى محاولة الاعتداء على دارة رئيس الحكومة في الميناء والتي يرفض ميقاتي تحصينها أو إقامة مربع أمني حولها كما هو حاصل لدى منازل أكثرية المسؤولين، كونه يعتبر أن إبن طرابلس محميّ دائما بأهله وناسه.
ومما زاد الطين بلة، هو دفع حفنة من الأشخاص للترشح للانتخابات النيابية في طرابلس، أقل ما يمكن أن يقال فيهم أنه “يستحي المرء من تاريخهم وحاضرهم”، مدعمين بأموال طائلة مشبوهة المصادر وتعف منها رائحة “علب الليل”، لشراء ذمم المواطنين وأصواتهم مستغلين الأزمة المعيشية، وذلك لدفع مستوى تمثيل طرابلس النيابي الى الدرك الأسفل من الانحطاط، لاخلاء الساحة أمام المتربصين شرا بها وبأهلها.
وجاءت فاجعة غرق مركب الموت، فسارع المتآمرون الى محاولة سلخ طرابلس عن شرعية الدولة، من خلال إستغلال وجع الأهالي والتحريض على المؤسسة العسكرية وزجها في مواجهات مع أهلها لتجهيز ساحة المدينة لكل أنواع التوترات التي تساعد على إتمام فصول المؤامرة.
بالأمس وفي أول أيام عيد الفطر السعيد، وصل “الموسى” الى رقاب كل الطرابلسيين من خلال إستهداف رمزهم الديني المفتي محمد إمام الرجل الصادق التقي النقي المسالم الذي يخدم مجتمع المدينة بصمت، ما أكد أن المخطط الموضوع لا يستثني أحدا، وربما يكون المفتي إمام آخر فصوله قبل البدء بأخذ طرابلس الى الهاوية الحقيقية، وسط سؤال كبير عن دور الأجهزة الأمنية في ردع هؤلاء المعتدين الذين لا يدخل سلوكهم تحت بند الحرية، وإنما هو عبارة عن جريمة موصوفة بحق مدينة بكاملها.
كل ذلك يحصل، وأبناء طرابلس وعائلاتها يغرقون في صمت ، بينما يصول ويجول المأجورون وأكثرهم من خارج المدينة في تنفيذ مخططات مشغليهم لاتمام مشاريع تفريغ طرابلس من قياداتها ومن مؤسساتها الادارية والأمنية وربما من عائلاتها لتتحول الى بؤرة تتحكم فيها بعض العصابات أو ربما قد يذهب الأمر الى ما هو أخطر بكثير، لذلك، إما أن يهب الطرابلسيون لانقاذ مدينتهم والوقوف بوجه المخربين مهما كانت التضحيات، وإلا سيأتي يوم لن يستطيعوا فيه الخروج من منازلهم إلا بإذن من مأجور يقف على بابهم.
lebanon24