قبل نحو أسبوع واحد من الموعد المقرّر لانتخابات غير المقيمين، وأسبوعين ونصف من موعد الانتخابات في الداخل، يبدو المشهد العام، الذي لا يزال محافظًا على “ضابيّته”، مثيرًا للانتباه، وربما “الدهشة”، فبعيدًا عن “الوعود” التي ثبت “زيفها” في الكثير من الجوانب، تنحدر الأمور إلى “الأسوأ” على كلّ المستويات، ما يرخي جوًا من عدم الاستقرار على الاستحقاق ككلّ.
ولعلّ حادثة “قارب الموت” التي “أنهت”، إلى حدّ بعيد، الحملات الانتخابية في طرابلس شمال لبنان، تختصر الواقع المرافق للعملية الانتخابية، فهو جمع “المصائب” كلّها في واحدة، من “الكارثة” الاجتماعية التي اختزلها إصرار الناس على “الهروب” من “الجحيم”، بأيّ ثمن، إلى الوضع الأمني، الذي فضحت تردّدات الحادثة “هشاشته”، بعدما كاد “يفلت عن السيطرة” سريعًا، لولا نجاح الجيش في “احتوائه” بشكل أو بآخر، وفرض الهدوء الذي يبقى “حَذِرًا”.
بالموازاة، كانت الأزمات “المعيشية” في البلد تأخذ بعدًا أكثر “دراماتيكية”، فالدولار الذي استطاع “الصمود” على “شبه استقرار” لفترة غير قصيرة نسبيًا، عاد لـ”يحلّق” فجأة، وسط توقعات بارتفاع جديد بلا أفق له، وإمكانية ملامسته الأرقام القياسية السابقة من جديد. أما الكهرباء فسجّلت في الأيام الأخيرة رقمًا قياسيًا جديدًا، مع وصولها إلى نسبة إنتاج غير مسبوقة، لم تتجاوز في العاصمة بيروت نفسها فضلاً عن ضواحيها، “صفر ساعة” في اليوم.
إزاء ذلك، يصبح السؤال عن “فحوى” انتخابات أكثر من مشروع، فأيّ انتخابات تجري نظريًا وعمليًا في مثل هذه الظروف؟ وأيّ “صورة” تقدّمها القوى السياسية الراغبة في “تكريس” زعامتها للشعب؟ وما صحّة الفرضية القائلة بأنّ تزامن كلّ هذه الأمور ليس سوى جزء من “مخطط” يصبّ في خدمة “إلغاء” الانتخابات، وهو ما لا يزال كثيرون على ما يبدو يراهنون عليه، رغم كلّ شيء؟!
في المبدأ، يبدو واضحًا من كلّ ما سبق، أنّها انتخابات “استثنائية” بكلّ المقاييس، ليس بالضرورة لناحية ما سيفرز عنها من نتائج، يرجّح كثيرون أنّها لن تحمل مفاجآت نوعية، أو تغييرات “جذرية” في تركيبة مجلس النواب، ولو أنّ ذلك يناقض في جوهر “المنطق” الطبيعي للأمور، ولكن قبل ذلك لناحية الأجواء “المرافقة” للعملية الانتخابية، والتي تبدو غير مسبوقة على كلّ المستويات، وخصوصًا على مستوى ما تقدّمه للجمهور من “رسائل”.
قد يكون ذلك مفهومًا، باعتبار أنّ ما يشهده البلد منذ أكثر من عامين “استثنائي”، وبالتالي فإنّ الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة كان لا بدّ أن تنعكس “جنونًا” في موسم الانتخابات، الذي يأتي أساسًا في وقت لا تزال العديد من العناوين “الإشكاليّة” تُطرَح في السياسة، من “الكابيتال كونترول” إلى “خطة التعافي”، ولو أنّ كلّ هذه الأمور “طارت” على الأرجح إلى ما بعد الانتخابات النيابية، وفق ما توحي كلّ المؤشرات.
لكن هنا أيضًا، ثمّة نقطة “إشكالية” يتوقف عندها كثيرون، فإذا كان السياسيون “عاجزين” عن ضبط الأمور قبل الانتخابات، وعن الحدّ من “اندفاعة” الدولار، ومعه الأسعار، بالحدّ الأدنى، فكيف سيكون الأمر بعد 15 أيار؟ وأيّ “جحيم” ينتظر اللبنانيين بعد الانتخابات، وهم “الموعودون” بإجراءات “قاسية وغير شعبية”، ستبدأ من قطاع الاتصالات، وكأنّ ما جرى على امتداد العامين الماضيين “لا يكفي”؟!.
في مقابل هذه الأسئلة المشروعة، التي تطرح علامات استفهام حول “المشروع الانتخابي” لقوى السلطة، التي لم تستطع انتزاع “هدنة” في مرحلة الانتخابات لدفع الناس لإعادة انتخابها، أو ربما لاطمئنانها “سلفًا” إلى عودتها، ثمّة من يعتبر كلّ ما سبق “سيناريو محبكًا” لإضفاء المزيد من عوامل “التشكيك” بإجراء الانتخابات ككلّ في مثل هذه الظروف، خصوصًا أنّ الكهرباء والأمن هما “ركنان جوهريان” من العملية الانتخابات.
بهذا المعنى، جاءت أزمة الكهرباء مثلاً التي زادت عن حدّها، وتخطّت كلّ المستويات السابقة، بحيث وصل الانقطاع الشامل للتيار عن العاصمة الإدارية بيروت لأكثر من خمسة أيام متواصلة، من دون أن يسجّل أيّ “استنفار” للحلّ كما كان يحصل سابقًا، وكأنّ هناك من يريد دفع الناس نحو الخروج عن طورها، بما ينذر ربما بـ”الانفجار الاجتماعي”، بما يعرّض الأمن الانتخابي برمّته للخطر.
ولعلّ ما زاد الطين بلّة أنّ هذه الأزمة جاءت في “ذروة” بحث السلطة بخطة تأمين التيار الانتخابي خلال اليوم الانتخابي، وتحديدًا في أوقات الفرز، من دون انقطاع ولو لثانية واحدة، يفتح المجال أمام عمليات “التزوير”، أو الشكّ بها، علمًا أنّ وزير الداخلية “طمأن” إلى خطة “معدّة” بهذا الخصوص، ستبقى على الأرجح عرضة للتشكيك، في ظلّ العجز عن تأمين التيار لساعة واحدة في بعض المناطق لأيام كاملة.
أما “تحليق” الدولار في الأيام الأخيرة، فقصّة أخرى، خصوصًا بعدما ثبت على مدى الأشهر القليلة الماضية، أنّ مصرف لبنان، لو أراد، قادر على “ضبط” سعر الصرف في السوق السوداء إلى حدّ كبير، وقد نجح في تأمين “استقرار نسبي” في هذا الصرف، الذي بقي في حدود معيّنة، فإذا به “يفلت” مجدّدًا، من دون أسباب موجبة مقنعة، ولو أنّ البعض يعزو كالعادة ذلك إلى “الجمود السياسي” وغياب مؤشرات “الإنقاذ”.
ويبقى الخطر الأكبر وسط كلّ ذلك، هو توظيف “الأمن” لضرب العملية الانتخابية في الصميم، وقد جاءت الإشكالات الأمنية الأخيرة، من الشمال إلى الجنوب، لتنذر بنيّة بعض الأطراف استخدام هذه “الورقة”، ربما في ربع الساعة الأخير، وهو ما يتطلب من الجهات المفوضة بحفظ الأمن، التأهب والاستنفار سلفًا، لمنع أيّ “طابور خامس”، ربما يكون محسوبًا على بعض القوى السلطوية، من “افتعال” الإشكالات في القادم من الأيام.
في النهاية، بمعزل عن “النوايا”، فإنّ الأكيد يبقى أنّ الظروف المرافقة للعملية الانتخابية لا تبدو “مثالية” في أيّ من جوانبها، بل على النقيض من ذلك، وهي لا تؤمن بالمُطلَق البيئة المناسبة لخوض معركة ديمقراطية حقيقية، هذا إن بقي للديمقراطية معنى، في بلد لا مشكلة عند قيادته من خوض الانتخابات على “أنقاض” شعب يتحضّر لتجديد “البَيْعة” لمن أوصلوه إلى “جهنّم”، ويعدونه بـ”الأمرّ والأصعب” بعد الخامس عشر من أيار!.