لا تزال القضية الاشد خطورة في الوضع الاقتصادي تتعلق بوضع الاحتياطي النقدي في مصرف لبنان الذي ينفذ بأسرع من التوقعات، لأسباب مختلفة، من اهمها ما يلي:
اولا – دعم الليرة المستمر من قبل مصرف لبنان منذ كانون الثاني ٢٠٢٢، والذي قُدّرت كلفته في البداية بحوالي ٥٠٠ مليون دولار في الشهر. ليتبيّن، بعد اندلاع الحرب في اوكرانيا، وزيادة الضغوطات على حاكم مصرف لبنان، واندلاع النزاعات القضائية مع المصارف التجارية، بما زاد في منسوب فقدان الثقة، ان هذه الكلفة ارتفعت، وهي مرشحة للارتفاع اكثر، من دون ان يتبين حتى الان الرقم الذي سترسو عليه الكلفة الشهرية لمشروع الاستمرار في دعم الليرة.
ثانيا- اضطرت الحكومة الى اللجوء مجددا الى مصرف لبنان لاقتراض الدولارات الطازجة. وهي، وإن عملت على تغطية هذا الاقتراض بتغيير الاسلوب وقوننته بما يوحي بأنه يختلف عن الاسلوب الذي اعتُمد سابقاً، وأدّى الى استنزاف قسم من احتياطي البنك المركزي، الا أن النتيجة هي نفسها، اي الانفاق من اموال الناس العالقة في البنوك نظرياً، والموجودة فعلياً، أو ما تبقّى منها، في خزائن مصرف لبنان.
ثالثا- لا يزال الفارق بين سعر الدولار في السوق السوداء، وسعره عبر منصة “صيرفة” يشكل ثغرة خطيرة تؤدي اولا الى استمرار استنزاف المزيد من الدولارات من مصرف لبنان، الذي يستمر في دعم بعض السلع ومنها المحروقات على سعر منصة صيرفة، وتؤدّي ثانياً الى تشجيع المضاربات التي يقوم بها عدد من المضاربين الذين تتيح لهم ظروف اعمالهم الحصول على مبالغ كبيرة بالليرة، ويقومون بشراء الدولار عبر صيرفة، ومن ثم يبيعون ما اشتروه في السوق السوداء ليحققوا أرباحاً غير مشروعة، ويشكّلوا ضغطاً اضافياً على سعر صرف الليرة، بما يزيد في خسائر المركزي.
هذه الحقائق يدرك خطورتها المسؤولون في صندوق النقد الدولي، وهم لذلك طالبوا بتوحيد سعر الصرف كاجراء اولي وكأحد الشروط الرئيسية للموافقة على برنامج تمويل لدعم خطة الحكومة للتعافي الاقتصادي.