يُجمع المختصون، على أن الاتفاق الاولي بين لبنان وصندوق النقد الدولي الذي حصل أمس، هو خطوة مهمة وإيجابية طال إنتظارها، خصوصا أن الشروط التي وافقت عليها الحكومة جريئة. لكن ما حصل، هو وضع إطار عام للتفاوض، من دون الدخول في التفاصيل، التي غالبا ما تكمن فيها الشياطين، لذلك من المهم أن تعمد الحكومة، إلى تنفيذ ما تعهدت به قبل الانتخابات النيابية المقبلة، كي لا يكون مصير الاتفاق، كمصير شروط وإصلاحات المؤتمرات الدولية، التي عُقدت لمساعدة لبنان وآخرها مؤتمر سيدر الذي تمّ إنعقاده قبل الانتخابات، وبعدها تحول إلى مجرد حبر على ورق.
على أرض الواقع والتجربة، لا ضمانات مع الطبقة السياسية الحاكمة، بتنفيذ خطوات لصالح الشعب اللبناني، بعد أن أوصلت البلاد والعباد إلى “جهنم” التي يتخبطون فيها، كما لا ضمانات في أن لا تحاول هذه الطبقة مجددا، الاستفادة من المساعدات التي ستقدم للبنان لحساباتها الخاصة، على غرار ما جرى سابقا، لذلك من المفيد وضع ما تم الاتفاق عليه في ميزان الايجابيات والسلبيات، التي يمكن أن يجنيها المواطن اللبناني، في حال صدقت الوعود السياسية.
شرح الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور إيلي يشوعي أن “ما حصل هو تفاهم أولي بين صندوق النقد ولبنان، وهو أشبه بمذكرة تفاهم على العناوين العريضة، ولذلك يمكن وضع ملاحظات على ما يطلبه صندوق النقد، ومنها إقرار قانون الكابيتال كونترول وخطة التعافي الاقتصادي وإقرار الموازنة وخفض العجز فيها بنسبة 3 بالمئة”.
يضيف:”إطلعت على مسودة قانون الكابيتال كونترول،ج التي وضعها مجلس الوزراء بحسب ما يطلب هذا التفاهم، وأهم الثغرات الموجودة في هذه المسودة، أنها تحمي المصارف من أي دعاوى يمكن أن يرفعها المودعون ضدها لنيل حقهم، كما حصل سابقا مع أكثر من حالة “فردية” بين المودعين والمصارف”، موضحا أنه”اليوم هناك كابيتال كونترول غير مباشر، من خلال مراقبة السحوبات والتحويلات ولكنها غير رسمية، وبما أن الودائع صارت دفترية، يمكن لأي مودع رفع دعوى على مصرف لنيل وديعته، وهذا يعني أنه كان للمودعين أمل بالحصول على ودائعهم”، ويشدد على أنه “بعد إقرار هذا القانون، سيتم تحديد سقف السحوبات والتحويلات بحسب الودائع، على أن لا يتعدى سقف السحب الشهري ألف دولار، وهذا يعني ان القانون سيمنع المودعين من المطالبة بكامل حقوقهم”.
يعتبر يشوعي أن “قانون الكابيتال كونترول، يهدد إستقلالية البنك المركزي، حين ينص على أن هناك لجنة، ستضع التنظيمات التطبيقية لهذا القانون وليس المركزي، وهذا أمر لا يجوز لأن القانون، لا يتطلب تدخل الحكومة (لا يطلب إصدار مراسيم)، والمطلوب هو تنظيمات تطبيقية وهذا ما يمكن للمركزي وحده القيام بها”، سائلا:”لماذا هذه اللجنة(تضم رئيس الحكومة ووزيري المال والاقتصاد والحاكم)؟ هذا يعني أن المركزي سيتم إدارته من قبل المركزي، وليس من قبل الحاكمية، وهذه اللجنة ستُرفع إليها التقارير من قبل لجنة الرقابة على المصارف، وهذا مس بإستقلالية المصرف المركزي”..
يضيف:”يمنع قانون الكابيتال كونترول في حال إقراره، فتح حسابات جديدة حتى للمستثمرين الجدد، وهذا أمر غير واضح، ولا يجب أن تكون هذه النقطة معممة على الجميع، ولا بد من إستثناءات، وخصوصا للشركات جديدة في لبنان”، مشيرا إلى أنه “من الملاحظات التي يمكن أن تسجيلها، أن صندوق النقد طلب إعادة هيكلة القطاع المصرفي، ورفع السرية المصرفية والتدقيق المالي الجنائي، ولكن الدخول في التفاصيل يمكن يعرض التفاهم إلى إنتكاسة”.
ويرى أنه “في ما يتعلق بخطة الانقاذ الاقتصادي، فإن حكومتي كل من الرئيسين حسان دياب ونجيب ميقاتي، يختزلونها بتوزيع الخسائر على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، وليس على من أدار الدولة والمصرف المركزي والمصارف، وإلى الان لم يحصل إتفاق على توزيع الخسائر مع الصندوق”، مشيرا إلى أنه “من المطالب أيضا تخفيض العجز في الموازنة، وهذا يعني زيادة الضرائب وخفض الانفاق الاجتماعي والصحي والتربوي، خصوصا أن الدولة لا تدفع ديون، ولا فوائد لكي تخفضها، ما يعني أنه ليس أمامها سوى هذه القطاعات، وهذا يزيد الضغط على الشعب اللبناني”.
يضيف:”من المطالب تعديل قانون السرية المصرفية وهذا أمر لا لزوم له، إذ يمكن كشف السرية المصرفية عن المرتكبين فقط، اما إعادة هيكلة القطاع المصرفي، فمن الذي يضمن أن تقبل المصارف بوجهة نظر الحكومة وصندوق النقد حول هذه النقطة؟”، لافتا إلى أنها “لم تقبل أساسا بتوزيع الخسائر، وقد تُطالب بإستثمار الدولة لقطاعاتها وثرواتها لرد الأموال إلى المصرف المركزي ومنها إلى المصارف”.
ويشدد على أن”التدقيق المالي الجنائي لم ولن يتحقق منه اي شيء ، لأنه ببساطة كيف يمكن لهذا التدقيق أن ينجح، والمعني فيه والمتهم الاساسي في الفجوة المالية التي تخص المصرف المركزي ( 70 مليار دولار)هو رياض سلامة وهو لا يزال حاكما للمركزي ؟”. يعتقد يشوعي أن “هذه الطلبات لصندوق النقد لن تمر لدى الطبقة السياسية، إلا إذا كان صندوق النقد يتآمر على لبنان”، سائلا “هل المطلوب إغراق لبنان مجددا؟ خصوصا أن أموال صندوق النقد ستُسلم لنفس الطبقة السياسية التي إرتكبت الخطيئة الكبرى بحق اللبنانيين”؟