أُقفل باب الترشّح للإنتخابات النيابية ولم يكن يحمل الكثير من المفاجآت على الرغم من عزوف رؤساء الحكومة السابقين عن الترشّح وما يحمله ذلك من دلالات على الساحتين المحلية والعربية.
وعن قراءته لعزوف رؤساء الحكومة الأربعة السابقين عن الترشّح للإنتخابات النيابية ودلالاتها، إعتبر المحلل السياسي جورج علم في حديث لـ”ليبانون ديبايت”، أن “إستنكاف رؤساء الحكومة السابقين عن الترشّح هو بمثابة ضوء أخضر لكل الدول العربية، من مصر أم العالم العربي وحاضنة الجامعة العربية إلى المملكة العربية السعودية إلى الخليج بأن الذين يحملون العروبة في لبنان ومحراب العروبة هم في خطر”.
أضاف: “وهذا إنذار للقوى العربية وهذا ما دفعني للقول إن العرب لن يغضّوا الطرف عن هذا الأمر وبدت مؤشرات ذلك من خلال زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية الى بيروت، ومن خلال الأصوات التي بدأت تصدر عن مختلف القيادات لمناشدة السعودية مساعدة لبنان، هذه الأصوات الوازنة في البلد والتي تدعو المملكة ودول الخليج لمساعدة لبنان لا تقتصر على بضع دولارات إنما لمساعدة لبنان المنهار سياسياً للقيام بعملية إستنهاض سياسي”.
كما رأى أنه “علينا أن نأخذ بعين الإعتبار بأن الفرنسي وربما الفاتيكان وغيرها من الدول وحتى الامم المتحدة ضنينة بأن يبقى هذا البلد نموذجا لما يسمّى حوار الحضارات أو الثقافات أو تلاقي القيم المشتركة بين مجموع الأديان حول الفلسفة القائمة بالحوار وحول الحوار وما يُنتجه من تطلّعات حضارية”.
والأمر اللافت في الأسابيع والأشهر الماضية، الكلام عن وجود “مشروع لمنطقة حرة” داخل لبنان، وخريطة تظهر مقترح تقسيم لبنان الى ثلاث مناطق، وفقاً لخريطة نشرتها صحيفة “اندبندنت” البريطانية وما قيل عن أن المشروع هو الآن داخل الكونغرس الأميركي، ونسخ منه قد أرسلت إلى الإدارة وبعض الحكومات الأوروبية.
والسؤال المطروح، ما مدى حقيقة وجود خطّة لتقسيم لبنان وأن تنفيذ هذا المشروع بدأ؟، رأى علم أن “تقسيم لبنان يعني القضاء على هذا الوطن، وبالتالي العودة الى إنسلاخ أجزاء جدّ مهمّة كانت بطبيعة الحال المكوّن الأساسي للبنان الكبير”.
وبحسب علم “هذا الأمر يعني حروباً لا تنتهي بين القوى التي تحاول كل منها أن تسيطر على رقعة من الأرض لأنها بحاجة الى الأخرى ولا تستطيع بحدّ ذاتها أن تؤمّن الإكتفاء الذاتي، وبالتالي إذا كان الحوار الذي يجمع بين مكوّنات لبنان حالياً غير قابل للحياة فباعتقادي أن تقسيم أو تفتيت هذا البلد على أبعاد طائفية ومذهبية هو بطبيعة الحال إنتهاء للفلسفة التي قام عليها هذا البلد وهي مشروع حوار الحضارات والديانات”.
وقال: “أنا لا أرى ذلك لكن أستطيع القول إننا مطالبون بكلمةٍ سواء وليس باستقواء، ومطالبون بالحوار لأن فلسفة لبنان هي الحوار والتلاقي بين هذه المجموعات الثقافية، وسبل التعايش والتعاون لتجليل الحضارة البشرية، وبالتالي نرى أن هناك كباراً اعتبروا أن هذا البلد نموذجاً خلاقاً بين الأطياف والمذاهب والثقافات المتعدّدة، لذا من الحرام تدمير هذه الصيغة الفريدة بالعالم”.
أما عن مدى قابلية تطبيق التقسيم في لبنان وهل ما يحصل هو بمثابة تمهيد لهذا الأمر؟، جدّد علم التأكيد “أنا لا أرى تقسيم للبنان، لكن ما هو حاصل يدعو الى القلق لاعتبارات ثلاثة:
أولا: لا يمكن بطبيعة الحال أن يكون لبنان صنيعة الصواريخ الذكية، فلبنان يستطيع أن يستمر صنيعة الفكرة والمبادرة الذكيّ وهذا ما يوقفه.
ثانيا: لبنان لا يستطيع أن يقول بأن دوره عر بي، ونرى أن الحضارة العربية في هذا البلد في خطر. وعلينا أن نذكّر بأن هذا البلد العربي هو الذي حضن اللغة العربية وحماها من “التتريك” في زمن السلطنة العثمانية بسبب وجود مفكّريه وأدبائه فقدّم خدمة للعرب لا تنسى لذلك المطلوب الآن صحوة عربية للمساعدة مجدداً على إيجاد الحلول للخلل القائم.
الأمر الثالث والمهم هو اقتصادي جداً عندما كانت الفكرة قد انبثقت عن الآباء المؤسّسين لدولة لبنان الكبير عندما انطلقوا من خلفيّة اقتصادية، بمعنى أن جبل لبنان لم يكن باستطاعته أن يؤمّن الإكتفاء الذاتي وكان لا بدّ من إضافة عدد من الأقضية الى هذا الجبل لكي يتكوّن لبنان الكبير على خلفيتان إقتصادية وثقافية”.
”الجديد في لبنان القائم حالياً لن يستمرّ، بحسب علم الذي رأى أن “هناك منطق قوّة وفائض قوّة وتوجّه لاستخدام القوّة لأخذ لبنان الى حيث لا يريده، وإذا كان هناك فكرة أو مشروع فأصحابها عليهم أن يدركوا جيّداً أن هذا البلد لا يؤخذ بالقوة إنما بالحوار والتفاهم”.
ومضى قائلا: “كما أن تفتيت لبنان هو بالقضاء على هذه الصيغة الفريدة وأنا لا أعتقد ذلك فلبنان لا يزال ممسكوكاً دولياً، وبالتالي نرى أن مؤشّرات تظهر شيئاً فشيئاً على أرض الواقع ربما بعد الانتخابات، هذا إذا جرت، أن يكون هناك نوع من التعاطي الجدّي مع “هذا اللبنان” وهذا الأمر رهن الاستحقاقات الداهمة هل سوف تجري أو لن تجري، وفي حال لم تحصل هناك مسار مختلف سوف يبدأ وإذا جرت سيكون هناك مسار ربما موازي لأول وكل الاحتمالات واردة”.
ورداً على سؤال عما إذا كان عزوف رؤساء الحكومة السابقين سغيّر بمشهد الانتخابات، أجاب علم: “الانتخابات لم تعد تهمّني لأنها في حال جرت لن تغيّر شيئاً من الواقع أبداً، وسيكون هناك محور له أكثرية في المجلس النيابي ونكون نستنسخ الصيغة القائمة حالياً”.
وأشار إلى أن “الانتخابات قد تكون منطلقاً لمسار، هذا المسار هو عقد مؤتمر تحت رعاية الأمم المتحدة يكون الهدف منه التوافق على عقد إجتماعي جديد يعالج الثغرات في “اتفاق الطائف” ويُعيد إحياء فكرة لبنان الدولة القائمة على تطبيق “الطائف” بعد تشذيبه من الثغرات والعيوب التي انكشفت من خلال الممارسة”.
وختم علم: “بطبيعة الحال إن لم تجرى الانتخابات ربما سيكون هناك ظروف تمنع ذلك، وهذا الامر يؤشّر الى أن شيئاً طارئاً كبيراً قد يمنع حصولها وأنا لا أتمنى ذلك”، آملاً في أن “يستمر السلم الأهلي ممسوكاً وأن تجري الانتخابات لتكون منطلقاً لتعاون ربما عربي أو أوروبي ومع الأمم المتحدة ودول مؤثّرة لإيجاد صيغة لاستنهاض لبنان من كبوته”.