كتب غسان حجار في” النهار”:
عزوف سعد الحريري عن خوض الانتخابات النيابيّة المقبلة، بل انكفاؤه “الموقت” عن الحياة السياسية، ليس سيّئاً إلى هذا الحد، علماً أنّ الخطوة تحتاج إلى وقت لقراءة نتائجها وارتداداتها، بعيداً من تكرار مقولات تشتّت القاعدة وإحباط الطائفة السنيّة، وما إليها من عبارات قد لا تقارب الحقيقة تماما. فالشعور بتراجع الدور رافق مسيرة الرئيس سعد الحريري في الأعوام الأخيرة، ولم يولد بعد ظهر أمس، خصوصاً في ظلّ الأزمة العلائقيّة التي نشأت مع المملكة العربيّة السعوديّة، والتي شاهد الرأي العام بعضاً من فصولها المؤسفة.
وقد أثارت خطوة الحريري جدلاً واسعاً بين مُتمسّك ببقائه، وبين سائل عمّا قدّمه من حلول لمشاكل البلد، ومن خطط رؤيويّة ومستقبليّة، وعن مواجهته “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”…
أمام هذا الواقع الجدلي السابق للاعلان، كان لا بُدّ للحريري، الذي آثر البقاء مدّة من الزمن في الخارج، ربّما للابتعاد عن الضغوط اليوميّة، وإفساحاً في المجال أمام نفسه للقيام بمراجعة ذاتيّة، من أنّ يتّخذ قرارات جذرية. وقد يكون القرار الذي أعلنه أمس، وليد تلك المراجعة، وقراءة المُتغيِّرات والظروف المُحيطة.
ما هي حسنات غياب الحريري إذا كانت خطوته ليست سيّئة إلى هذا الحدّ؟
أوّلاً: الإبتعاد إلى حين قد يسمح له بإعادة ترتيب أوراقه، سواء في العمل السياسي، أو في العمل التجاري – الاستثماري بما يُعيد إليه بعضاً من مخزونه الذي خسره تباعاً.
ثانياً: إن الإنكفاء عن النيابة ورئاسة الحكومة قد يسمح له بإعادة ترتيب البيت الداخلي لـ”تيار المستقبل” الذي يعيش في فوضى تنظيميّة.
ثالثاً: إن انسحاب الحريري (ولو موقّتاً) يتيح لوجوه جديدة سياسيّة، بيروتيّة، وسنيّة، البروز، ومحاولة تقديم جديد بات ضروريّاً أكثر من أي وقت مضى بعد انتفاضة 17 تشرين، وبعد الهزائم التي مُنيت بها الطبقة السياسيّة الحاكمة في ظلّ واقع إنكار شديد ولكن غير نافع.
رابعاً: إن انكفاء سعد الحريري عن الساحة السنيّة، ربّما يبرز الحاجة إليه مُجدّداً، بسبب ضعف المنافسة، وغياب البدائل على المستوى الوطني.
خامساً: إن غياب الحريري الابن الوريث السياسي، سيفضح شقيقه بهاء في حركته غير الناضجة، وغير الرؤيويّة، وغير المبنيّة على مشروع واضح حتّى اللحظة. في ما عدا بعض الشعارات الإعلاميّة على الطرق، وبرامج تلفزيونيّة غير هادفة، لا تُحقِّق إلّا بعض “الفريش دولار” للذين يقومون بها.
سادساً: إن انكفاء أحد أركان السلطة ربّما يُشكّل درساً وعبرة للآخرين، الذين أشبعوا البلد بلاء وما شبعوا. وربّما يدفعهم إلى التفكير في التقاعد (غير المبكّر طبعاً).