“الليرة بخير”، هذا ما سمعه اللبنانيون من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على مر سنوات، وفي وقت كانت التقارير الدولية تؤكد قرب إنهيار عملة لبنان الوطنية. ليستفيقوا بعدها على كابوس سقوط مدوي لليرة، التي بقيت على مر أكثر من عامين ضحية لتطبيقات هاتفية وقرارات عشوائية، إلى ان دقّت الساعة واعلن سلامة ضخ الدولار في السوق لوقف تراجع سعر الصرف الليرة امام الدولار.
سؤال كبير يطرح نفسه وسط هذا المشهد، لماذا يتدخّل مصرف لبنان لوقف إنهيار العملة الآن، بعد أن سجل سعر الصرف مستويات تاريخية وخيالية وجرى إستنزاف مليارات الدولارات على آلية الدعم التي أطلقتها حكومة حسان دياب؟ ألم يكن من الأجدى التدخّل في سوق الصرف في عامي 2019 و2020؟
وفقا الخبير الإقتصادي د. بلال علامة “غياب مصرف لبنان طوال الفترة الماضية من الأزمة لتهدئة سوق الصرف ولجم الإنهيار الدراماتيكي في سعر صرف الليرة مقابل الدولار، يعود لعدم توفر الإمكانيات اللازمة إذ كانت الأموال المتاحة غير كافية في ظل إستمرار مرحلة إستنزاف الإحتياطي من العملات الصعبة عبر سياسة الدعم التي استخدمتها الحكومة السابقة وبقيت معتمدة لفترة قصيرة من عهد الحكومة الحالية، حيث كان المطلوب من مصرف لبنان دعم بعض السلع وتأمين العملات الصعبة لإستيرادها”.
واضاف: “في ظل هذا الواقع، كان يستحيل على مصرف لبنان العمل على جبهتين، سياسة الدعم ولجم إنهيار الليرة، واضطر إلى الإنتظار الى حين رفع الدعم بالكامل والتخلّص من عملية إستنزاف الإحتياطي، فتدخّل في السوق وضبط الوضع.”
كما لفت علامة إلى “أن تدخّل المركزي في السوق يأتي بعد مرحلة من المراقبة الحثيثة وصراعات طويلة بين منصات السوق السوداء والمنصات الرسمية. وبعد أن أبصرت منصة صيرفة النور وجرى اعتماد سعره صرف عليها قريب من سعر السوق السوداء، تدخل مصرف لبنان بواسطة هذه المنصة لبيع الدولار دون سقف محدد ليستطيع تلبية إحتياجات السوق، ليبدأ بعدها عملية الضغط على المنصات والتطبيقات السوداء بهدف ضبطها، وقد نجح في هذا الإطار في جولتين حتى الآن”.
واعتبر أن “بقاء مصرف لبنان في سوق الصرف لضبط إنهيار الليرة، مرتبط بقدرته على الإستمرار بضخ الدولار النقدي في السوق وعلى الإمكانيات المتوفرة في هذا الإطار، لا سيما أن خلف السوق السوداء وتطبيقاتها يوجد دورة اقتصادية غير رسمية وحجم كتلة نقدية كبير جداً”.
وأكد علامة أن “تدخّل مصرف لبنان في سوق الصرف اتى أيضا نتيجة تغطية من الحكومة الحالية، حيث على ما يبدو كان الظرف السياسي قد أصبح مناسبا لتدخل المركزي في السوق وضبط ايقاع الأسواق ولجم سعر صرف الدولار، فهذه العملية ليست سهلة أو بسيطة إنما عملية معقدة تحتاج الكثير من الحسابات والدقة”.
وأكد علامة إنه “حتى الآن تسير الأمور كما يجب، وإن إستطاع مصرف لبنان الإستمرار في هذه العملية، دون شك سيتمكن من كبح جماح سعر الصرف وتفلت الدولار”.
كما لفت علامة على إن “مصرف لبنان يعول بشكل كبير على العملة الصعبة المحولة من المغتربين اللبنانيين من الخارج بواسطة شركات تحويل الاموال كالـOMT للجم سعر الصرف. وبعد أن أعطى رخصة صيرفة لشركة OMT لتسطيع جمع الدولار والعملات الأجنبية واستبدالها بالليرة اللبنانية، أضحى مصرف لبنان المرجع الأخير لجمع الدولارات التي ترد إلى لبنان، ومن ثم استخدامها في عملية ضخ العملة الصعبة في السوق”.