دول كثيرة تعرّضت عملتها للإنهيار، فغرقت في فقر مدقع وفي قعر لا تزال تتخبّط فيه، “متّكئة” على صندوق النقد الدولي للخروج منه. وأبرز تلك الدول التي خسرت عملتها قيمتها لبنان وسوريا والعراق واليمن والسودان، فنزويلا وتركيا…ما هي اسباب انهيار العملة الوطنية عموماً وكيف توالى التدهور في لبنان وفنزويلا خصوصاً، وكيف تتمّ استعادة قوّتها؟
ستة أصفار جديدة شطبتها فنزويلا من عملتها في تشرين الأول الماضي، مستبدلة المليون بوليفار وهي العملة المتداولة فيها، ببوليفار واحد، وذلك نظراً الى التضخم المفرط الذي تغرق فيه البلاد جراء انهيار عملتها.
واذا قارنا فنزويلا بلبنان يتبين لنا أن التضخم المفرط الذي نعيشه لم يلحق بالليرة اللبنانية خسارة الى هذا الحدّ، علماً أن كل المؤشرات تدلّ الى أننا نسير على درب فنزويلا، بل واستناداً الى تلك المقاربة لا نزال بالصفر الأول الذي يجدر شطبه، اذ زدنا صفراً واحداً على عملتنا المنهارة بنسبة تلامس الـ90%. فقيمة الـ20 ألف ليرة والتي كانت تعادل نحو 13 دولاراً أميركياً باتت تعادل تقريباً 357 ألف ليرة لبنانية على سعر دولار 27 ألف ليرة، اي أكثر من صفر واحد والخير لقدام.
ويعتبر المحلّلون الإقتصاديون، أننا لم ندخل في مرحلة الإرتطام الكبير، رغم كل “الإشتباكات” السياسية التي تعطّل دوماً العمل الحكومي والعمل التشريعي، اذ لا يزال أمامنا الفرصة لتحسين وضعنا قبل تحقيق المزيد من الإنهيارات في عملتنا وتصنيفنا من قبل الوكالات العالمية بالبلد المفلس. فالمجتمع الدولي “يجهد لمساعدتنا وخصوصاً صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلا أن التعقيدات الداخلية وعدم الشروع في الإصلاحات، تسبقهما وتعطّل عملهما وتدفع بهما خطوات الى الوراء.
مقاربة أسباب التدهور
وفي مقاربة لأسباب التدهور بين فنزويلا ولبنان، يتبيّن لنا أن فنزويلا كانت تعتبر من أغنى بلدان أميركا الجنوبية بفضل نفطها، حيث شهد الناتج المحلي الإجمالي انخفاضاً بنسبة 80% منذ العام 2013، لا سيّما بسبب انخفاض إنتاجها النفطي وتراجع أسعار الذهب الأسود، ولكن أيضا بسبب سوء الإدارة والأزمة السياسية.
أما في لبنان فإن الأسباب مختلفة وتعود الى الفساد السياسي والهدر والسرقات من قبل المسؤولين والموظفين في إدارات الدولة، واستمرار الفريق السياسي نفسه في لبنان المتربّص بكل شاردة وواردة وفي كل الإدارات. وهذا الأمر قاده ويقوده نحو مزيد من تعميق الهوة، مع الإشارة الى اعتمادنا على الإقتصاد غير المنتج والذي يزيد من حجم الصادرات وعدم وجود مراقبة ومحاسبة بل محاصصة.
واستناداً الى دراسات يتبيّن أن نسبة 94.5% من الأسر تعيش في فنزويلا تحت خط الفقر (أي بمبلغ دون الـ 1.9 دولار في اليوم) وفي لبنان بلغنا نسبة 85% من الفقر أي لم نصل بعد الى القمّة.
كيف تستعيد العملة قوتّها؟
ولكن كيف يمكن للعملة النقدية المحلية أن تستعيد قوتها؟ يعتبر الخبير الإقتصادي والمالي لويس حبيقة خلال حديث مع “نداء الوطن” أن “الليرة تعكس قوة الإقتصاد. وكي يكون الإقتصاد قويّاً يجب أن يكون وضع البلد طبيعياً سياسياً وليس كما هو الوضع عليه اليوم”. وأضاف: “كي يكون الوضع السياسي طبيعياً يجب أن تتحسّن العلاقات الداخلية بل أن تكون جيدة والعلاقات الخارجية تصبح صحية وليس كما يحصل مع دول مجلس التعاون الخليجي”. اذاً باختصار عندما يموت البلد اقتصادياً تنهار الليرة معه.
وفي فلفشة في دفاتر سجّلنا النقدي العتيق، يتبين لنا أن الليرة اللبنانية برزت من أكثر العملات العربية استقراراً وقوةً رغم الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد بين عامي 1975 و 1990. غير أن تراكم جبال الديون واستنزاف الاحتياطيات من العملات الصعبة واندلاع الأزمتين المالية والإقتصادية وبدء جائحة كورونا كلها امور أدت إلى مزيد من العجز في موازنة الدولة وإلى ارتفاع الأسعار بشكل أفقد العملة اللبنانية قيمتها الشرائية بشكل غير مسبوق. فالليرة اللبنانية منذ خريف 2019 حين كان متوسط سعر الصرف 1507.5 ليرة لبنانية للدولار، تدهورت قيمتها بشكل كبير ومستمر، ولا تزال حتى اليوم اذ خسرت أكثر من نسبة 90% من قيمتها ووصلت الى 30 ألف ليرة للدولار الواحد، ومعها مستوى معيشة اللبنانيين.
حالات الإنهيار
ووفق القاعدة الإقتصادية، يتحقّق انهيار العملة في اي بلد في حالات عدة منها:
– هزيمة البلاد في حروب.
– عدم الاستقرار السياسي والأمني، وهي حالات مشاهدة في وضع العراق واليمن وسوريا ولبنان والسودان والصومال وغيرها.
– فشل السياسة الاقتصادية في كبح التضخم.
– إعتماد البلاد بشكل كبير على الاستيراد، من دون وجود صادرات تكافئ الطلب على الدولار للوفاء باحتياجات الواردات.
– تورط البلاد في مديونيات خارجية، وعجز الحكومة عن الوفاء بها. وخلاصة الأمر، إن مفهوم انهيار قيمة عملة ما، هو تراجع قوتها الشرائية، بحيث يفقد الناس الثقة بها، ويتجهون للتعامل بالعملات الأجنبية، بيعا وشراء، بل حتى في مدّخراتهم. وفي حال استمرار التشنّج السياسي على حاله، وعدم الشروع في الإصلاحات وبدء التفاوض رسمياً مع صندوق النقد الدولي والتوصّل الى اتفاق…، فإنه من المتوقّع ان تستمرّ الليرة اللبنانية في منحاها الإنحداري ويستمرّ فلتان الدولار متخطياً الـ30 ألف ليرة، الى حدود لا تحمد عقباها!
العملات الأغلى في العالم
يعدّ الدولار مقياس قوة غلاء أو رخص عملات الدول الأخرى. وبحسب أسعار الصرف المتاحة على قاعدة بيانات البنك الدولي، هناك عملات لدول في غالبيتها صغيرة، مثل دول الخليج أو دول أفريقية وآسيوية صغيرة، تحتل صدارة قائمة العملات الأغلى في العالم، كما أن هناك على الجانب الآخر كيانات قوية اقتصادياً وعملتها تحتل مرتبة متقدمة كذلك من حيث قيمتها بالنسبة الى الدولار، مثل اليورو عملة الاتحاد الأوروبي، والجنيه الإسترليني عملة المملكة المتحدة، والفرنك السويسري.
فعلى سبيل المثال، يعادل الدولار 0.91 من الفرنك السويسري، و0.74 من الجنيه الإسترليني، و0.88 من اليورو، و0.71 من الدينار الأردني، و0.38 من الدينار البحريني، و0.30 من الدينار الكويتي، و0.38 من الريال العماني.