“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
شيء ما طرأ في أميركا أو تغيَّر، فَقلبَ المُعادلات وغيَّرَ التوازنات، بعد سلسلة إجتماعات وإتصالات توَّلاها البيت الأبيض، إحتلَّ لبنان جزءاً أساسيّاّ فيها، ليُتخذ القرار بالهجوم، بعد إستنفاد كل السُّبل، والطرق علَّها “بتمشي بالمنيح”، فمَا كان إلّا أنْ “زاد القبيح”.
تصاريح أعادت الحرارة إلى الخطوط التي فُتحت مع واشنطن على مدار اليوم منذ 24 ساعة، للوقوف على حقيقة المُستجدّات ومَدى جديّتها، مع دخول البيت الأبيض على الخطّ بهذه الجديّة، بعد موجة الإسترخاء التي ضَربت أهل “الكهف اللبناني” مُعتبرين أنّ الإدارة الأميركية غارقة بهمومها “من أفغانستان إلى فيينا”، بعد توجيهها اللوم إلى صوابية خيارات عهد المُمانعة والمقاومة، ليَستيقظوا على واقع مختلف خلاصته “فالّين كلكن يعني كلكن، وحكومتكم أولكم”، بسبب فشلها وفشل راعيها الذي إستلحق “حاله”.
وتَنبع أهميّة ما وصل إلى بيروت من تصريحاتٍ وكلام، أنّه جاءَ تزامنًا مع سلسلة من التطوّرات في المنطقة، التي لا يُمكن فصله عنها.فأن يكون لبنان دولة فاشلة ليس بشيئٍ جديد، وليس بصدمةٍ لأحد أنْ يكون حزب الله في الحكومة وأن يُعطّل فالكبير والصغير وحتى “المأمط بالسرير”، يعرفُ هذه الحقائق، بما فيها واشنطن بجناحَيْها الجمهوري والديمقراطي أكثر من غيرها، وإن غرَّها بعض كلام زوّارها الذين “تمسكنوا ليتمكنوا” ، هي التي ساهمت أوّلًا وأخيرًا بدفع وتدفيع اللبنانيين ثمن إدارتها “الدينة الطرشة” عن نداءاتهم يوم نزلوا إلى الشارع، وتغَاضت عن “الأمرين” حتى بلغت الأوضاع ما بلغته من “بلع الدويلة للدولة”بإنتظار هضمها، بعدما تخطَّت الفشل بمراحل.
فَهَل ما نَشهده إستفاقة أميركية أمْ صَحوة موت لِما تبقَّى؟
لفِهم هذا الهجوم “المُفاجئ” على أكثر من جبهة، وتقييمه بشكلٍ صحيح لا بُدَّ من التوّقف عند مجموعة من الأحداث قد إستبقته، مُغيّرة في مجرى ومسار الوضع اللبناني، أهمّها:
-الأزمة الخليجية – اللبنانية المُستمرّة، ومن آخر تجليّاتها تغريدة السفير وليد البخاري منذ يومَين، وقرار مجلس التعاون الخليجي فيما خصَّ لبنان، إذْ أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي “راح عا جدّة مع أمّ العروس رجع منها مع أمّ العريس”، ناجحًا فقط في إنتزاع مكالمة لدقيقة ونصف من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ليُعوذِض بكلماتها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ما فاته من “صحن الكبّة النية”.
-التحذير البريطاني ومن بعده الكندي لرعاياهما في بيروت والذي أخذه الكثيرون على محمل “المزح”، علمًا أنّه في إحدى الجلسات الخاصّة كشف دبلوماسي غربي رفيع لدولة عضو في مجلس الأمن، عن أنّ القرار إتُخذ بترك لبنان ينهار تمامًا، لأنّ كلفة بنائه عندها أقل، بسبب طبقة حاكمة “فالج لا تعالج” معها.
-إعادة تموْضع الرئيس الفرنسي بعدما “رفع العشرة” مُقرًّا برهاناته اللبنانية “الخاطئة”، وأوّلها التركيبة الحكومية، وثانيًا “بلفه” للثورة وجمهورها عقب زيارته الأولى للبنان وتعويمه للطبقة الحاكمة فوق بحيرة دماء ضحايا وجرحى المرفأ.
-التأزيم الحاصل على جبهة مفاوضات فيينا وإنقلاب السحر على الساحر، مع تعثُّر الحوثيين في السيطرة على مدينة مأرب حتى الساعة رغم كل الضغوط والإستشراس في المعارك لقلب المعادلة على تلك الجبهة، بعدما إقتنع الأميركي بخطورة هكذا تغيير في موازين القوى.
-التوّتر مع الإمارات نتيجة حركتها في المنطقة وسوء تفسير بعض اللبنانيين لتلك الخطوات خصوصًا على الصعيد السوري والإيراني، وإعتقاد البعض أنّ دمشق أصبحت عالباب.
-فشل الحكومة “الميقاتية” في تحقيق أيّ إنجاز رغم إقترابها من مُدّة الـ 100 يوم على تشكيلها، إذْ زادت الأمور تدهورًا ووصلت حدّ الإنهيار الأمني الوشيك، دون رغبتها بتحقيق أيّ خطوات جديّة وإكتفاء رئيسها بإطلاق الوعود مُقدّما مصالحه الخاصّة على حساب المصلحة العامة “مربِّح اللبنانية جميلة” بأنه يُضحي من “كيسه” من أجلهم.
-ما رافق إنفجار مُخيّم البرج الشمالي من تصريحات ومواقف إعتبرها البعض مُقدّمة جديّة للمُطالبة بتطبيق القرار1559 لأول مرة منذ إقراره، وهو ما ستُثبِت صحته من عدمها الأيّام والأسابيع القادِمة.
-إقتناع الإدارة الأميركية، وقبلها الفرنسيّون، بأهميّة الملفّ اللبناني كورقة في الإنتخابات الداخلية، كونه من أسهل الساحات التي يُمكن تحقيق إنجازات فيها على صعيد السياسة الخارجية ويُمكن إستثمارها للحفاظ على الغالبيّة الديمقراطية في الإنتخابات “النصفية”.
أمّا في بيروت، فكلام المسؤولين يتلاقى، ويَتقاطع في مكانٍ ما عند عدم الحرص الأميركي “المُستجد”، وفقًا للمعايير اللبنانية على الإستقرارَيْن “الأمني والنقدي”. فبالنسبة للبعض المسألة مَحسومة وتندرج في إطار إدارة عوكر للإنتخابات النيابية للإطاحة بمُنافسيها وإيصال “مُرشّحيها الفاسدين” الذين طالما رعتهم وحمتهم، أمّا على الجانب الآخر فهي تأتي إستكمالًا لخطوات الإنهيار الشامل، بعدما “بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَى”، وبيَن الإثنّيْن مَن يقول هي خطوة لردع السلطة في ظلّ إقتراب الأوضاع من الخطّ الأحمر “الأمني” والعجز عن إيجاد السبل لتأمين دعم المؤسّسات الأمنيّة لأسباب لبنانية وخارجية.
أيًّا يَكُن، فإنّ المعني الأوّل أيّ حزب الله، يرى أنّ وجهة نظره لطالما كانت صحيحة بعدما “فضحت” واشنطن حقيقة أهدافها صراحة، فيما نجحت الحارة في إحباطها حتى الساعة، فلا تشكيل دون مشاركتها، ولا إنعقاد دون تحقيق رغبتها، إذْ أنّ هذا “الضجيج والتطبيل لم يَعُد مستور الغايات، وهو يرافق مرحلة من الإعداد المُتسارع لساحات “تُربيها” واشنطن للإنتخابات المُقبلة ظنًّا منها أنّها ستُنقذ ما تبقَّى من مشروع تفكَّكت حلقاته القاسيّة بين إنتصار العام 2000 وإنتصار الجرود عام 2017، وهو لَن يخرج عن رغبات واشنطن في أيّ مؤامرة حصار وإفقار “مستقبلية”، إنْ عبر السيطرة على أصول الدولة اللبنانية بعنوان تقاضي الديون، أو عبر الإطباق على عوائد “نفطنا وغازنا”، أضف إلى ذلك أنّه يُمكن إستدراجه في إطار إعطاء جرعة “حليب سباع” لمحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وتمهيدًا للطريق أمام زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين المُرتقبة من باب الضغوط الإستباقية من تهديد ووعيد”.
أسئلة كثيرة حول التوقيت والأهداف تختلف وفقًا من المنطلقات السياسية، وإنْ أجمعت على أننّا دخلنا مرحلة تصعيد جديدة تبقى خلالها “مسألة درجته” موضع نقاش. فَلِمَن هي الرسالة إذًا؟ لحزب الله ومَن لفَّ لفيفه؟ لجنرال بعبدا الذي تزيد عزلته الداخليّة والخارجيّة؟ لرئيس الحكومة الذي راكم 100% فشل فوق الـ 97%العائدة لسلفه؟ أم للثوّار الحقيقيين ليتركوا و”عين واشنطن ترعاهم”؟
حتى الساعة لا إجابات واضحة، وإنْ كانت الملامح قد بدأت ترتسم وأهمّها أنّ واشنطن مُهتمة ببيروت “وحبّة مِسك”.