كتب المحرر السياسي:
خلافًا لما تمّ الترويج له بكثافة مقصودة ومدروسة، لا يمكن اعتبار نتيجة انتخابات نقابة المحامين، وفوز المحامي ناضر كسبار، صاحب الخبرة المتراكمة الطويلة في العمل النقابي، بمنصب النقيب، “انتصارًا ساحقًا” لطبقة حاكمة، عرفت كيف “تلعبها” على طريقتها، فتسلّلت لدعم الرجل في الساعات الأخيرة، وبعضها انتظر اللحظات الأخيرة ليفعل ذلك.
لكن إذا كانت قوى السلطة نجحت في “إقناع” الرأي العام بأنّها “انتصرت”، بشكل أو بآخر، فإنّ أحدًا لا يستطيع “التحايل” بأيّ شكل، ولو من باب مراعاة الخواطر، لينكر “الهزيمة المدوية” التي منيت بها قوى ما تُعرف بـ”الثورة”، التي تحسب نفسها على “انتفاضة” 17 تشرين اللبنانية، وهي التي عجزت عن إيصال أيّ من مرشحيها لعضوية النقابة بالمُطلَق.
فكيف تقرأ هذه القوى “درس” انتخابات نقابة المحامين؟ وأيّ “مراجعة ذاتية” تقدّمها للأداء الذي قدّمته؟ أيّ تفسير تعطيه للخسارة المدوية؟ وهل أسبابه داخلية، مرتبطة بتكتيكاتها وإستراتيجياتها الانتخابية، أم تتعدّاها لتشمل “تجربة” النقيب محمد خلف الآتي من رحم “النقابة”؟ وقبل كلّ ذلك، هل تأخذ هذه القوى “العِبَر” وتتلقّفها في الاستحقاق النيابي “الموعود”؟!
أسباب متداخلة
لا شكّ أنّ العديد من العوامل المتداخلة والمتقاطعة يمكن أن تفسّر “الهزيمة” التي مُنِيت بها قوى “الثورة” في نقابة المحامين، من بينها ربما عدم رضا الكثير من المحامين عن “تجربة” العامين الأخيرة، ومن بينها أيضًا “خيارات” مجموعات الثورة المتنوّعة، التي ارتأت دعم أسماء قد لا يكون لها باع طويل في العمل النقابي، وليست من أصحاب “الخبرة”، التي يمثّلها مرشّحون آخرون، استطاعوا أن يضيفوا العامل “الشخصي” إلى حملاتهم الانتخابية.
لكنّ كلّ ذلك ليس سوى “غيض من فيض” السبب الجوهريّ الأكبر الذي تسبّب بالخسارة المدوية، والذي قد يكون “عَيْبًا” لم تنجح قوى “الثورة”، على اختلافها، في التخلّص منه، رغم أنّ كلّ التجارب أثبتت، منذ انتخابات 2018، أي ما قبل 17 تشرين 2019، أنه “نقمة” وليس “نعمة”، ويكمن في “تشتّت” قوى “التغيير”، ورفضها “الاتحاد” على عناوين وأسماء واحدة، واعتقادها أنّها “قادرة” رغم كلّ ذلك، على “اختراق” السلطة الحاكمة.
يُجمِع من تابعوا انتخابات نقابة المحامين أنّ هذا “التشتّت” كان العامل الأساس في “الهزيمة” التي كانت متوقّعة، إذ إنّ قوى “الثورة” خاضت الانتخابات بثلاث لوائح مختلفة، لاعتبارات بعضها “مبدئي”، مثل رفض جزء من المجموعات التحالف مع “الكتائب”، وبعضها مصلحيّ، مثل الاعتراض على اسم من هنا أو هناك، لكن النتيجة كانت أنّها خرجت من المشهد بالكامل، بعدما أعطت رسالة سلبيّة للرأي العام، مفادها أنّها لا تقدّم “مشروعًا بديلاً”.
حتى لا يتكرّر المشهد
يقرّ العديد من المحسوبين على “قوى 17 تشرين” بأنّ نتيجة انتخابات نقابة المحامين جاءت “مخيّبة” للكثير من الآمال، بل “محبطة” في جانب كبير منها، ويدعون إلى “مراجعة ذاتية” باتت أكثر من ضرورية، خصوصًا أنّ هذه الهزيمة أتت في سياق زمانيّ كان يفترض العكس، لا سيما أنّ “المزاج الشعبي” يميل نحو “التغيير” بالمُطلَق على وقع الأزمات المتفاقمة التي ورّطت الطبقة الحاكمة الشعب فيها.
من هذه الزاوية، لا بدّ من قراءة في العمق لخلفيّات “الهزيمة”، وأسباب “التشتّت” الذي قدّم صورة سلبيّة للقوى “التغييرية”، ووضعها في الخانة نفسها مع السلطة، لجهة البحث عن “الكراسي والمغانم”، فيما ينتظر منها الشعب تقديم “مشروع موحّد بديل”، علمًا أنّ تجربة العامين الأخيرين قد تكون أسهمت في النتيجة، لكنّها مجرّد “تفصيل”، وفق هؤلاء، الذين يتحدّثون عن “ظلم” يتعرّض له النقيب ملحم خلف في هذا الإطار من الأقربين قبل الأبعدين.
الخلاصة، بحسب الدائرين في فلك “الثورة”، أنّ على المجموعات التي تستخدم اسمها أن تقرأ “الرسائل والعِبَر” من “درس” نقابة المحامين، وخوض الانتخابات النيابية المقبلة على أساسها، لأنّ “استنساخ” المشهد نفسه، القريب جدًا من مشهد انتخابات 2018، بذريعة أنّ “التنوّع غنى”، لن يؤدّي سوى إلى تكريس “الهزيمة”، والأخطر من ذلك، تكريس “انتصار” الطبقة الحاكمة، التي تبقى “المستفيد الأول” من انقسام قوى “التغيير” على نفسها.
ثمّة من قرأ في الحديث عن فوز كسبار في نقابة المحامين باعتباره “هزيمة للثورة وانتصارًا للطبقة الحاكمة” ظلمًا لحق بالرجل، الذي يصرّ على أنّه “مستقلّ”، ولو أنّه ينسج علاقات “طبيعية” مع مختلف الأفرقاء، دفعت البعض إلى “دعمه”، لكنّ الأكيد، بعيدًا عن ثوابت الرجل، أنّ قوى “الثورة” هي التي “ظلمت” نفسها بنفسها، ولعلّها “ستظلم” معها مشروع “التغيير” الواعد بالنسبة لكثيرين، إذا ما واصلت التغريد في السرب نفسه!.
lebanon24