شكلت انتخابات نقابة المحامين في الدورة السابقة محطة بنت عليها مجموعات الحراك الشعبي خطابا سياسيا واعلاميا يوحي بأن مسار قلب السلطة والانتصار على الاحزاب والقوى السياسية التقليدية قد بدأ فعلا
..
بعد ذلك توالت انتصارات قوى التغيير في عدد من النقابات مستفيدة من الزخم المستمر لثورة ١٧ تشرين ومن سردية تقول بأن الانتخابات النقابية تشكل نموذجا حقيقيا لما سيكون عليه الواقع السياسي بعد الانتخابات النيابية.
عمليا، ولاسباب كثيرة، لا يمكن لانتخابات النقابات ان تشكل انعكاسا كاملا للتبدلات الحاصلة في الرأي العام، لكن، اذا كان لا بد من قراءة جدية في ارقام انتخابات نقابة المحامين التي جرت امس ، وهي النقابة الاكثر تسييسا، يمكن استنتاج العديد من النقاط.
اولا، لا تزال الاحزاب السياسية في لبنان تملك قاعدة ناخبة جدية وكتلة شعبية لا يستهان بها، اذ ان قدرتها على الحفاظ على قوتها لدى المحامين مثلا، اي لدى شريحة المتعلمين والطبقة الوسطى الاكثر قابلية على طلب التغيير، توحي بأنها حافظت على وضعها الشعبي لدى الشرائح الاخرى…
ثانيا، يبدو ان تشتت قوى الثورة سيشكل لها نقطة ضعف قاتلة في الانتخابات النيابية المقبلة، اذ لا يبدو ان هناك اي امكانية للفوز او لتحقيق نتائج مقبولة في ظل الانقسام والترشح ضمن لوائح متعددة في الدائرة الواحدة…
ثالثا، ان الزخم الذي حققته ثورة ١٧ تشرين يتراجع كلما كان موعد الاستحقاق النيابي بعيدا، فاذا كان الواقع الاقتصادي يؤدي الى زيادة الغضب لدى الرأي العام من احزاب السلطة، غير انه لا يؤدي الى تكتل واصطفاف الناخبين الى جانب قوى التغيير.
رابعا، ان حزب الكتائب اللبنانية لا تزال هي القوة الصلبة الوحيدة التي يمكن لمجموعات ١٧ تشرين الاتكال عليها، أقله على الساحة المسيحية كون”الكتائب” تمتلك بلوكات ثابتة من الاصوات في حين ان باقي المجموعات لا تزال من دون هوية سياسية واضحة.
خامسا ان عدد الاصوات التي حصل عليها التيار الوطني الحر كانت جيدة نسبيا وتوحي ان المبالغات في الحديث عن تراجعه الشعبي ليست واقعية، وان تراجعه الحاصل يبقى ضمن السياق المتوقع والذي طال غالبية القوى السياسية.
اشهر قليلة تفصلنا عن الانتخابات النيابية، التي تراها القوى السياسية وقوى التغيير مفصلية في الحياة السياسية اللبنانية لا بل في تاريخ لبنان، من هنا، وانطلاقا من نتائج انتخابات نقابة المحامين، يبدو انه على الاحزاب ومجموعات المجتمع المدني وقوى المعارضة ان تراجع حساباتها وتصحح اخطاءها لان الرأي العام ليس في “جيب” أحد.
المصدر: لبنان 24