لم تفلح قوى المعارضة في أي مرة بتوحيد كلمتها، وتشكيل جبهة بعد ان جمعتها المصيبة في اطارها السياسي، وبعد ان توّحد خصومها ضدها بالمفرّق ومن ثم بالجملة، لكن وبسبب إعتبارات سياسية عديدة، ومع تداخل المصالح الخاصة لم يفعل المثل القائل « في الجمع قوة « فعله الحقيقي، بل بقي حبراً على الورق، لانّ الوساطات لم تؤد الى جمع «رفاق الدرب» السابقين، الذين توحّدوا في يوم 14 آذار من العام 2005 على وقع إستشهاد رئيس الحكومة الاسبق رفيق الحريري، والاهداف والمطالب، لتستمر تلك الوحدة لسنوات، ظنّ خلالها اللبنانيون بأنهم وصلوا الى شاطئ الامان، على ايدي زعمائهم حينها، لكن وبعد سنوات قليلة، ظهرت الحقائق وتشتت «الرفاق»، وإن كانوا من احزاب مختلفة جمعتها حينها مطالب موحّدة، ما لبثت ان إستفاقت لتتبعثر من جديد، بعد ان تركها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بعد سنوات قليلة، على انغام الندم والعودة الى العروبة والناصرية، والى ما هنالك من شعارات لا زالت تستقطب بعض الحزبيين، الذين يعيشون على اطلال تلك الازمنة، وإذا بجنبلاط يكسب رهان البعض في ذلك الوقت، ويعود من حيث اتى لكن ضمن الخط الوسطي وليس المتطرّف، لان لا حلفاء في السياسة الى اجل بعيد، ومن هو خارج الحزب ليس برفيق بل حليف وقتي، انتهى زمنه الى حين تعود المصالح الخاصة لتفعل فعلها.
اما اليوم فلم يبق من تلك الذاكرة سوى مشاهد وصور، تكاد تمحى خصوصاً انّ الانهيارات التي يعاني منها البلد لم تستطع جمع تلك المعارضة في جبهة لغاية اليوم، تحت حجة ردّدها اركانها: «الظروف لا تشجّع ابداً على وجود جبهات مضادة، وخلافات إضافية في ظل كل هذه المآسي، فالناس مستاءة من الوضع ومن كل الاحزاب والتيارات، ولا يهمها سوى تأمين معيشتها والمستلزمات الضرورية، خصوصاً انّ الأولوية اليوم تكمن في معالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية»، هذا بإختصار السبب الذي منع تشكيل جبهة معارضة خلال تلك السنوات بحسب قولهم .
الى ذلك وتعليقاً على ما يجري في هذا الاطار، ابدى سياسي حزبي عتيق إستياءه مما وصلت اليها قوى المعارضة، بسبب عدم تنسيقها وتشتتها مما أضاع عليها فرصة التغيير، قائلاً: عشت مراحل عدة من السياسة اللبنانية، بكل طلعاتها ونزلاتها، لكني لم اشهد مثل هذه الخيبات التي تعود الى الموالاة والمعارضة، لان الجميع كان ولا زال يتطلّع نحو النتائج الخاصة التي سيُحققها، وليس النتائج الايجابية لمصلحة الوطن اولاً.
وعن سبب فشل جمع الاحزاب المعارضة البارزة، اعتبر المصدر بأنّ جمع «القوات اللبنانية» و «تيار المستقبل» والحزب الاشتراكي لم يكن بالامر السهل، لكن اليوم عليهم تناسي الماضي في ما بينهم، خصوصاً مع إقتراب الانتخابات النيابية، مع الاشارة الى وجود تحالف مرتقب في الانتخابات بين «المستقبل» والاشتراكي ، على الرغم مما يشاع عن عدم ترشح الرئيس الحريري الى الانتخابات النيابية، لكن الايام القليلة المقبلة ستعلن الحقيقة، خصوصاً انه عائد الى لبنان نهاية الشهر الجاري، بحسب ما قال نائبه مصطفى علوش، مشيراً الى اللقاء الذي جمع الحريري والنائب تيمور جنبلاط في ابو ظبي، حيث تمّ التوافق على التحالف الانتخابي في البقاع الغربي والجبل والعاصمة بيروت، على ان تتبلور الامور خلال لقاء مرتقب بين الحريري وجنبلاط فورعودة الاول الى بيروت.
وتابع المصدر: «سبق ذلك تحالف على النار بين «القوات» والاشتراكي، مما يعني ان جنبلاط قادر على القيام بدور الوسيط لاحقاً بين الحريري وجعجع، أي ما لم تفعله الانهيارات ستفعله الانتخابات النيابية، ومن هذا المنطلق، ستظهر قريباً أجواء إيجابية، نتيجة الإتصالات الجارية بعيداً عن الأضواء، لان الواقع المرير الذي نعيشه يتطلب التكاتف باسرع وقت».
وختم بالاشارة الى وجود مَن يراهن على موقف يحمل الكثير من الليونة، من قبل المملكة العربية السعودية، مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، في محاولة منها لإعادة إحياء فريق 14 آذار، لان المرحلة تتطلب ذلك.